السير على الدروب المعبدة لا يعني إطلاقا أن هناك جديدا يمكن الوقوف عليه أو انتظاره .
واستنساخ تجارب الماضي لا يعدو أن يكون مراوحة فيم لمكن وتخندقا حول نجاحات كانت في بداية حدوثها جديدة ومتميزة فلما كثر عدد المقلدين لها لم تعد لها تلك الجاذبية، وذلك الألق السابق مما يؤكد حاجتها للمعالجة والغربلة والتطوير.
ومن آفاتنا المهنية أننا نعتقد أنه ما كان جديدا منذ عقد من الزمن لا زال محافظا على بريقه وقدرته على الصدارة وحصد الإعجاب والمديح.
آفة الرأي الإعجاب، ومصيدة العمل الرضا بالمألوف ، ومقتل الفكر أن يتوقف الزمن لديه عند مرحلة من مراحل السير فيستمر في مكانه رافضا الاعتراف بأن هناك المزيد من المتبعات التي تتطلبها مرحلة التوسع ومضاعفة الإنجازات، وهو مسارات لن يقطعها الفكر الجامد، ولمن يستطيع التوغل فيها.
ولو أخذنا المجال الإعلامي على سبيل المثال وانتقينا القضايا الجادة كمثال على ما نقول نلحظ أن طريقة معالجة الموضوعات تحتاج إلى إعادة تفكيك وتركيب.
هذه الإعادة لا شأن لها بالجوهر الثمين ولكن لها شأن بالإطار العام وطريفة المعالجة.
والمعالجة هنا لا تعني قطعا رفض الموضوعات ذات القيمة المعرفية وإنما تعني تغيير الشكل الذي تتقدم به للمتلقي.
وهذا هو دور المطبوعة الإعلامية المتميزة إذ أنها تقوم بمهمة الترويج للأعمال الجيدة عبر تقديمها لها في إطارات جديدة إذ أنها تقوم بمهمة الترويج للأعمال الجيدة عبر تقديمها لها في إطارات جديدة تلبي حاجات القراء إلى التكامل بين المخبر والمظهر.
بطبيعة الحال حينما ينظر للقارئ على أنه أحد الشركاء في عملية التطوير فإن ذلك ييسر الحصول على أفكار جديدة قوية وثمينة لم تطرق من قبل.
ومحصلة تلاقح الأفكار بين الجهات الإعلامية والكتاب والجمهور سوف يحدث نقلة نوعية لكل المطبوعات التي ترغب في أن تكون في القمة من حيث النجاح والتأثير.
ومما لا يخفى على الجميع أن الصحافة تساهم بدور فاعل في تكوين الرأي العام وتوجيهه، فإذا ما أضيف إلى جهودها الخاصة مجمل الأفكار الإيجابية المتوفرة لدى القراء المتميزين تحولت المطبوعة إل قوة ضاربة يصعب تجاهلها. وهذا هو مكمن التأثير وموطن التميز الذي قد يغيب وسط زحام العمل عن ذهن الإعلاميين.
بل ثمة نتائج كبرى يمكن الوقوف عليها لو فتح الطريق أمام القراء لاقتراح ما يرونه مناسبا لتطوير أداء المؤسسات الصحفية ، من بينها تعود القارئ على المشاركة والتعبير عن رأيه فيما يقرأ ويتابع.
وتعويد القراء على هذا السلوك هو خيار قادر على كسر جدار الصمت الذي بني في سنوات الغفلة ، والذي كان الخط الفاصل ما بين الفاعلية والانكفاء.
ويوم أن يكسر هذا الجدار الجليدي ويتحرر الفرد الذي أدمن التفرج والقبول بما هو كائن سيصبح ذلك التحول بداية لإحياء معنى الرقابة المجتمعية التي مازالت منذ فجر التاريخ وعبر العصور تمثل قيمة حضارية، ودليلا على حيوية المجتمع وصحوة ضميره وحراسه للمكتسبات العامة من أن تنتهك أو يطوح بها.
الرقابة المجتمعية هي صمام الأمان ضد الانحراف وضد الجور والفساد وهي مصدر من صادر قوة المجتمعات ومن خلالها تزدهر مؤسسات الحكم المدني التي يمثل صفة أبناء المجتمع عمودها الفقري.
إن التربية على المشاركة في الحياة الاجتماعية لا تتحقق في يوم وليلة، بل هي ثقافة ذاتية تكونها حصيلة التجارب المختلفة في المشاركة والتعبير عن الرأي لإحداث الأثر المطلوب.
الصحيفة المكتوبة يمكن أن تمثل رافدا من الروافد التي تعزز في الفرد الرغبة في الإدلاء بما لديه من ملاحظات وأفكار، ومبادرتها في قياس استطلاعات الرأي واستقطاب الاقتراحات يمكن أن يمثل أحد الجسور الهامة التي من شأنها توثيق العلاقة بين القارئ والمطبوعة الإعلامية على نحو تعود مصلحته على الجميع.
إن الخروج من حيز التلقي والتلقين إلى فضاء المشاركة والتعبير مطلب حضاري لم يعد بالإمكان الانتقال عنه أو التحول إلى سواه.
ـــــــــــــــــ
المصدر: مريم عبدالله