هل صحيح أن الصحف تقود العالم؟
هذا هو السؤال الذي يشغل النخب المثقفة في كل مكان كما يشغل العاملون في كبرى المؤسسات الصحفية في العالم والتي يتنامى نفوذها يوما بعد يوم.
وإذا كانت الصحف تقود العالم حقا، فما هي أهم المحاذير التي يجب أن تتوخاها حتى تجنب العالم-الذي تقوده- كوارث وويلات قد تصنعها في غفلة منها، أو عن دراية وقصد وتصميم.
من خلال أحدث التقارير الصحفية التي أوردها الاتحاد العمالي للصحف يتضح حجم الشريحة البشرية التي تمتد وتتنامى طولا وعرضا في مشارق الأرض و مغاربها المتابعة للصحافة والحريصة على اقتنائها أولا بأول.
فقد لاحظ التقرير أن القراء النرويجيين واليابانيين هم الأكثر استهلاكا للصحف في العالم، إذ يشتري كل ألف نرويجي 705 صحف يوميا، وكل ألف ياباني 667صحيفة يوميا. يليهم الفنلنديون (546 صحيفة)، فالسويسريون (448صحيفة).
أما الصينيون فيستهلكون كميات هائلة من أعداد الصحف؛ بسبب عددهم الذي يتجاوز المليار. ويقدّر استهلاكهم بـ117 مليونا و815 ألف نسخة يوميا، يليهم اليابانيون بـ72مليونا و699 ألف نسخة، فالهنود بـ66 مليونا، فالولايات المتحدة بـ55 مليونا و578 ألف نسخة.
وقس على ذلك أعدادا هائلة من البشر يتحلقون حول الصحف يقلبون أوراقها ويتصفحون عناوينها بفضول ورغبة في سبر الحقائق، واكتشاف ما وراء الأحداث.
هذا الفضول الذي يسعد الصحافة- عالمية كانت أم محلية- أثار جملة من الاستحقاقات التي على الصحف الوفاء بها في غمرة الانهماك وراء ملاحقة الأخبار ورصدها وتحليلها.
سن ينتقد الإعلام الغربي
ولعل الكلمة التي ألقاها الدكتور " أمارتيا سن " الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد تستدعي أن لا يذهب رؤساء الصحف الغربية بأنفسهم بعيدا، ويفرحوا بالمكاسب المادية التي يحققونها طالما أنهم يصدرون أحكاما تتناسب وأمزجة قادتهم السياسيين أكثر من ملاءمتها للحقائق، واستجابتها للتحديات!!
أثار الدكتور الحائز على جائزة نوبل عاصفة من النقد اللاذع لأداء الصحافة الغربية التي عالجت تداعيات الحادي عشر من سبتمبر منذ لحظة وقوعها وما تلاها من أحداث.
وقد انتقد بشدة اللهجة العنصرية، والصياغة غير الأمينة للمصطلحات والألفاظ التي توظفها الصحافة الغربية في معالجاتها وتحليلها لأبعاد الحدث العالمي الذي نتجت عنه ردود أفعال كارثية ليس فقط على العرب و المسلمين وحدهم، وإنما على حاضر البشرية ومستقبلها.
الفكرة التي انطلقت منها المعالجات الغربية هي بحسب الدكتور " أمارتياسن " فكرة عنصرية ولا تتطابق مع أبسط حقائق التاريخ.
حجته في ذلك: أن الصحافة الغربية أخذت تسبح بحمد التسامح الديني المسيحي، والحرية الدينية الغربية مشددا على أن تصوير التسامح على أنه سمة مقتصرة على الغرب هو محض هراء لا يستقيم أمام الوقائع.
كما يؤكد على أن تلك اللغة التحيزية تناسب رواد التناقضات الحضارية من أمثال هنتنجتون وفوكاياما لكنها لا تتطابق مع حركة التاريخ التي تشهد أن التفوق الغربي الحالي لا ينبع من عوامل داخلية بمقدار ما هو وليد تلاقح حضاري كان لعلماء المسلمين فيه النصيب الأوفى.
إن الغرب اليوم - وقد غدا عملاقا يصعب النيل منه - تجاهل- وما يزال- أن الذي قواه وأوصله لهذا المستوى من الريادة والتفوق هم أبناء الحضارات الأخرى كالحضارة اليونانية والفارسية والهندوسية والحضارة الإسلامية التي أخذت من الحضارات التي سبقتها، وأضافت إليها الكثير.
وحسب عالم الاقتصاد الأبرز فإنه لولا عالم الرياضيات محمد بن موسى الخوارزمي الذي أقام في بغداد في عصر المأمون (القرن التاسع)، ووضع أسس الجبر والحساب في كتاب "الجبر والمقابلة" وفصل بين علمي الحساب والجبر، كما توصل إلى حساب بعض الأجسام مثل الهرم الثلاثي، والهرم الرباعي والمخروط، لكانت نهضة أوروبا في العلوم الرياضية تأخّرت، كما تأخرت المدنية زمنا ليس بيسير.
إنها محاولة مسؤولة خاضها عالم اقتصادي بارز لوضع حد لاندفاع الصحافة الغربية لتجريد المسلمين من أخلاقهم الحضارية التي أفادت منها أوروبا في نهضتها الحديثة.
و السؤال: هل ينجح مثل هذا العالم الحجة في مجال تخصصه بإذابة جبل الجليد الذي ما زال يحول بين آخرين عرفوا ما عرف الرجل، لكنهم آثروا الصمت، ولجؤوا لمداهنة الأقوياء طمعا أو خوفا؟!!
ــــــــــــــ
فيصل البعداني