ما مغزى الموجة الأخيرة من التصريحات العدائية المتبادلة بين "إسرائيل" وسوريا؟ هل ثمة خطر حقيقي لاندلاع حرب، أم أن كل ما هنالك هو أن الدولتين المتعاديتين ترتبان أوضاعهما استباقاً لمبادرة جديدة من جانب الرئيس الأميركي بهدف التوصل لتسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي؟
الحقيقة أن الأسبوع الأخير أظهر لنا ملمحاً من ملامح الجهد الأميركي المتجدد من أجل السلام، وذلك عندما تم تعيين "روبرت فورد" المستعرب المخضرم في وزارة الخارجية الأميركية، سفيراً للولايات المتحدة في دمشق. والإشارة المراد توصيلها من خلال هذا التعيين هي أن الولايات المتحدة تهدف لإحياء المسار السوري في عملية السلام. وفورد هو أول سفير أميركي في سوريا منذ خمس سنوات، ما يمثل اعترافاً متأخراً من جانب واشنطن بالأهمية المتجددة لسوريا كلاعب إقليمي.
المشكلة أن نتنياهو المتشدد، لا يستسيغ جهود السلام التي يبذلها أوباما، وهو ما دفعه لعمل كل ما في وسعه من أجل إفسادها. ومن ذلك أنه عرقل التقدم على المسار الفلسطيني العام الماضي برفضه تجميد المستوطنات، الذي كان أوباما يطالب به، كما مضى قدماً في إجراءات تهويد القدس، ويبدو الآن مستعداً لاستباق جهود أوباما على المسار السوري.
كل ذلك يفسر النبرة الصدامية الإسرائيلية خلال الأسابيع الأخيرة، والتي اشتملت على تلميحات حول شن هجوم جديد ضد "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في قطاع غزة.
وفي الثالث من فبراير، استجاب الرئيس السوري للمناخ الإقليمي المتدهور من خلال تصريح أدلى به على خلفيه مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسباني، قال فيه "إن إسرائيل تدفع المنطقة نحو الحرب". وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، دعا وزير الخارجية السوري "إسرائيل" إلى التوقف عن توجيه تهديدات ضد غزة، وجنوب لبنان، وإيران، والآن سوريا. وقال المعلم في نبرة تحذيرية: "يجب على إسرائيل ألا تحاول اختبار تصميم سوريا، وأن تعرف أن أي حرب سوف تنتقل إلى المدن الإسرائيلية".
ومثّل ذلك التصريح تحدياً مباشراً للعقيدة الأمنية الإسرائيلية القائمة على أن "إسرائيل" في أي حرب ضد العرب يجب أن تخوض تلك الحرب على أراض عربية، وهو ما فعلته في الحروب السابقة التي خاضتها.
وفجرت ملاحظات الرئيس السوري غضباً فورياً وعنيفاً من جانب المتطرف ليبرمان الذي أدلى بتصريح قال فيه: "يجب على الأسد أن يعرف أنه إذا ما شن أي هجوم على إسرائيل فلن يخسر الحرب فحسب بل لن يظل هو أو عائلته في الحكم"، ثم أضاف: "يجب إفهام سوريا أن عليها التخلي عن المطالبة بعودة هضبة الجولان".
هذه التصريحات تكشف عما كان يدور في رأس نتنياهو، عندما دعا إلى مفاوضات مع الفلسطينيين ومع سوريا، "دون شروط مسبقة". كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يعني أنه يجب على الفلسطينيين والسوريين التخلي عن مطالبهم بالأرض، وأن يقبلوا بالهزيمة، وهو كلام يمثل وصفة للحرب بأكثر مما هو وصفة للسلام.
لا يتوقف الأمر عند هذا بل تحمل تلك التصريحات رسالة إلى أوباما مفادها أن "إسرائيل" لن تقبل بشيء مما يطلقُ عليه "صنع السلام".
لا شك أن اليمينيين الإسرائيليين، وناخبيهم المتعصبين من بين مغتصبي الأراضي من المستوطنين، والتيار الأرثوذكسي المتطرف، يعتقدون أنهم قادرون على المضي قدماً في هذا السلوك المتعالي والتوسعي لأنه ليس هناك من يقدر على إيقافهم.
في الجانب الآخر نرى أن الدول العربية ليست في موقف يسمح لها بتحدي القدرة العسكرية الإسرائيلية، والأوروبيون منقسمون، والروس لديهم أولويات أخرى أكثر إلحاحاً في أوكرانيا وآسيا الوسطى، أما الولايات المتحدة فإنها تعلن دوماً رغبتها في تسوية لصراع الشرق أوسطي، لكنها تزود "إسرائيل" بالوسائل السياسية والمالية والعسكرية التي تحول دون تحقيق هذه التسوية.
يمكن القول: إن أوباما أقر عمليا بهزيمته، ويتبين ذلك من حقيقة أن مبعوثه الخاص للمنطقة، ميتشيل، ليس لديه ما يمكن أن يقدمه لإظهار أن هناك تقدماً فعلياً قد حدث على جبهة التسوية السلمية. وفي هذا السياق لا ينبغي أن يغيب عن اعتبارنا أن "إيباك" أصبحت تسيطر على 30 في المئة من أصوات الكونجرس، وأن "المحافظين الجدد" الموالين لإسرائيل، بدؤوا يطلون برؤوسهم مرة أخرى. كما يشار إلى أن "إليوت إبرامز"، وهو أحد صقور مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد بوش، دعا مؤخراً إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد سوريا "قد تصل إلى حد العمل العسكري". ووجه "إبرامز" إلى "فلتمان"، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ومدير مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع للوزارة، سؤالاً هو: ما الذي يحول بيننا وبين ممارسة الضغط عليهم في الوقت الذي نتعاطى فيه معهم دبلوماسياً؟
"دانييل بايبس"، الزميل بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد، هو أحد المدافعين المتعصبين عن "إسرائيل"، وقد كتب في الآونة الأخيرة مقالا نشرته صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرائيلية، حث فيه أوباما على إصدار أوامره للجيش الأميركي لتدمير القدرة الإيرانية على إنتاج الأسلحة النووية، وقال: "بايبس" إن بادرة كهذه من جانب أوباما سوف تغير النظرة العامة إليه بأنه سياسي خفيف الوزن.
وبوجود أوباما في مثل هذه الوضعية الدفاعية، والتصميم الإسرائيلي الواضح على مزيد من التوسع، فإن السلام في الشرق الأوسط يبدو أبعد منالاً اليوم مما كان عليه في أي وقت مضى.
ـــــــــــــــــــــــ
صحيفة الاتحاد الإماراتية