مكتبة عمومية فتحت أبوابها في الدوحة ولا تزال تخدم روادها الأوفياء منذ عقود طويلة. ويثبت أرشيفها الخاص أنّها من أقدم المكتبات في دول الخليج، وأكثرها عراقة وقيمة خاصة بعد دمج كلّ من المكتبة العامة ومكتبة المعارف في هذه الدّار. وتعود سنة فتح أبوابها إلى بداية ستينات القرن الماضي، مفضية إلى عشاق المطالعة مجموعة ضخمة من الكتب والمجلات والمخطوطات التي كانت ولا تزال مرجعاً مهمّاً لمحبي المعارف والاطّلاع.
إذا دلفت لداخل القاعات فإنك ستجد عدداً من القراء والباحثين المتناثرين هنا وهناك، كلّ واحد منغمس في مجموعة أوراق وكتب. وقد أجمع الكثير منهم على أنهم لا يرفضون خدمات الانترنت، لكنّهم يحتاجون إلى جو "الاعتكاف" الذي تمنحه لهم المكتبات العامة، وتفشل في ذلك أماكن أخرى قد تكون مفتوحة كالبيت مثلاً.
في "دار الكتب القطرية" أكثر من 263 ألف كتاب صادر باللغة العربية، وأكثر من 370 ألف كتاب باللغات الأجنبية، لهذا يكون عادة رواد هذه المكتبة من جنسيات مختلفة، ويتقنون لغات عالمية متنوعة وكثيراً ما يجدون ضالتهم هنا. هناك أيضاً ما يفوق ألف دورية عربية و250 دورية أجنبية. وثمة عدد هائل من الرسائل الجامعية والمذكرات الأجنبية والعربية، عدا المخطوطات النادرة التي يقارب عدها الألفين.
وإضافة إلى الجو الذي يرضي رواد المكتبات، يؤكد زائرون للمكتبة أنّ خاصية أخرى تجعلهم مصرّين على الحضور إلى هذا الصرح الثقافي وتتمثل في الأصل بثقتهم الكبيرة بما يمكن أن يجدوه هناك، خصوصاً مع حرص المسئولين على توفير المواد العلمية والأدبية والكتب الحديثة التي تصدر بصورة دورية من أجل مواكبة الأفكار والنظريات والإصدارات الجديدة، وإن كانت عملية البحث كثيراً ما تأخذ حيزاً معتبراً من وقتهم المخصص لساعات الدراسة والمطالعة. ويؤكد بعضهم أنهم يجدون متعة في التعرف إلى الكتب من خلال قيامهم بالبحث واقتناء كتب تصب في خانة ميولهم أو تقرّب لهم وجهات نظر في بحوثهم.
ومن أهمّ التفاصيل التي نجدها متاحة في مكتبات قطر هي السعي نحو التخصّص، وعملت "دار الكتب القطرية" على إنشاء عدد من المكتبات الفرعية التابعة لها والموزعة على مناطق متفرقة في البلد، ومنها مكتبة "الخنساء" التي تعتبر أول مكتبة نسائية في قطر أنشئت سنة 1981 وتشتمل 530 ألف كتاب صادر باللغة العربية وما يفوق 4 آلاف كتاب باللغة الأجنبية. وتشهد زيارات كثيرة لعدد من النساء اللواتي يصحبن أطفال من أجل المطالعة، ولا تزال مشرّعة أبوابها بمبلغ رمزي للراغبات في الحضور. وتفتخر المكتبة بعدد من القارئات الوفيات اللواتي يحرصن دائماً على المجيء، ومساعدة الآخريات في إنجاز البحوث العلمية والأدبية.
وفي إحدى المكتبات الفرعية وهي عبارة عن وقفية تابعة للراحل الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني جانب علمي آخر متخصص في الدراسات والبحوث الإسلامية وهي مكتبة إسلامية ضخمة تسعى بالدرجة الأولى إلى تنمية الوعي ونشر الثقافة الإسلامية.
والقائمون على المكتبة يحرصون على تزويد رفوفها بجديد الكتب والمصنفات واستخدام التقنيات الحديثة والمتطورة في إدارتها وفي الإفادة من خدماتها. ويصل عدد الكتب التي تمّ اقتناؤها خلال السنة الماضية فقط بهذه المكتبة إلى ما يقرب من 300 ألف كتاب وتصنيف. وهو الأمر الذي دفع بعدد ضخم من الباحثين والراغبين في المطالعة إلى زيارة هذا الصرح العلمي والمعرفي والإفادة من مراجعه القيّمة. وبلغ عدد زوّار هذه المكتبة العام الماضي 190 ألفاً.
وتحرص كل فروع دار الكتب المعروفة في الدوحة على تقديم ما هو جديد، وتصرّ على تقديم خدماتها كاملة على رغم تناقص عدد القراء. ففي مواسم معينة تزداد حركة الطلب على المكتبات، فيما تشهد أوقات أخرى نضوباً شاملاً من القاعات.
ويثني الكثيرون من رواد المكتبات على الجهود الدائمة لهذه المكتبات، خصوصاً "دار الكتب القطرية" التي تعتبر مركزاً لإيداع مطبوعات الأمم المتحدة، التي تصل بانتظام وتوضع كلّها في متناول الباحثين والقراء، وكذلك مطبوعات منظمة سبري في ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، إذ تصل إلى دار الكتب بصورة مستمرة، نسخة من كل مطبوعاتها. وهو ما يحفّز القراء والمهتمين على زيارة المكتبة والإفادة مما يوجد بها من كتب وإصدارات.
__________
جريدة الحياة 20/4/2009م بـ"تصرف"