لم عرف أين هي الدقة والأداء المتميز كما جاء الوصف من قِبَل بعض الفضائيات العربية والغربية لأداء عصابات جيش الاحتلال الصهيوني في الضربات الجوية الموجهة والحرب الشاملة ضد قطاع غزة الصابر المحاصر! ولا نعرف أين تكمن البطولة في القصف الجوي ضد قطاع غزة الذي ابتكر بطولاته من مصادره المحلية؟! وأين البطولة في قصف عشرات المساجد، والآلاف من منازل المواطنين والمختبرات الطبية والمدارس والجامعات؟ في هذه العجالة رصد لما جرى تناوله على الساحة الإعلامية في حرب الوكالة التي تقودها دولة الاحتلال ضد القوى الإسلامية والوطنية في قطاع غزة.
الإعلام الصهيوني ذراع الجلاد:
تخلَّى هذا الإعلام عمَّا كان يردِّده من مفاهيم الليبرالية وحرية الرأي وما يتبعها من حيادية وموضوعية كان يحاول التخندق بها وخِداع العالم دائماً من خلالها؛ ففي حرب غزة انكشف الوجه القبيح للعنصرية الصهيونية، وقدمت الوسائل الإعلامية الصهيونية كافة إعلاماً غلبت عليه فنون الدعاية وألاعيب الحرب النفسية. وقبل الحرب الأخيرة على غزة مهَّدت وسائل الإعلام الصهيوني إلى مشاهديها وقرَّائها بأن حدثاً جللاً سيحدث خلال الفترة القادمة - وهو ما حصل فعلاً - رداً على ما تزعمه من تهديدات لصواريخ القسام. وقد نشرت كبريات الصحف العبرية (معاريف، ويدعوت أحرنوت، وهآرتس) عناوينها باللون الأحمر قبل بدء الحرب وبعدها، وترافق هذا الأمر مع تصريحاتٍ للسياسيين الصهاينة بأن صبر دولتهم بدأ ينفد من جراء تواصل هجمات حركة حماس - كما يدَّعون - ضد المدنيين، ورافقت وزيرة الخارجية الصهيونية (تسيبي لفني) ممثلين لعدد 60 دولة في جولة على جنوب فلسطين المحتلة أكدت خلالها على ضرورة أن تدعم القوى الدولية التحركات الصهيونية ضد قطاع غزة.
كما جنَّد الصهاينة أطقماً إعلامية استغرق تدريبها أشهراً طويلة لتكون جاهزة للمعركة، وقد أكَّد ذلك البروفيسور (دوف شنعار) المحاضر في جامعة بن غوريون في بئر السبع والذي قال في تصريح لوكالة (فرانس برس): «إن إسرائيل تعلمت من تجاربها السابقة استخدام العلاقات العامة ووسائل الاتصالات للتوجه إلى الدبلوماسيين؛ لتعريف العالم أسباب الحملة العسكرية وتفاصيلها».
وبعد اندلاع العمليات العسكرية غيَّــب هذا الإعــلام - الذي يُعدُّ بحق ذراع الجلاد - الصوتَ الآخر، وأخفى صور مَنْ قتلتهم تلك العمليات من المدنيين والنساء والأطفال، كما أخفى صور المناطق التي أصابها القصف، لا بل وزَّعت وزارة الخارجية الصهيونية كراساً وُصِفَ بالكراس الإلزامي على جميع المتحدثين الصهاينة، وطالبتهم الالتزام بمضامين هذا الكراس الذي يؤكد في نهاية المطاف مسؤولية حماس عمَّا يجري في قطاع غزة. كما يؤكد الكراس أن سكان قطاع غزة ليسوا أعداء للدولة الصهيونية.
والحقيقة التي لا تقبل مجالاً للشك أن كل ما في غزة هدف لطائرات ودبابات وبوارج آلة القتل الصهيونية.
إن عمل الإعلام الصهيوني هو رديف للعمل السياسي والعسكري، فقد نشرت صحيفة (يدعوت أحرنوت) على صفحتها الأولى العنوان التالي «على خط النار». ولم تكن صحيفة (هآرتس) بأقل تحريضاً على مواجهة قطاع غزة؛ فقد نشرت في افتتاحيتها مقالاً لتحضير الرأي العام العالمي في حالة تجاوزت حالات قتل الفلسطينيين العدد المقبول وَفْق التوجهات العالمية، فكتب (يونيل ماركوس) تحت عنوان «رعد بدون برق»: «من المهم أن يكون لدى إسرائيل تأييد عالمي لكل عملية تقررها؛ فالتجربة تؤكد أنه في أية عملية عسكرية داخل التجمعات المدنية تثير علينا العالم كــله؛ خاصــة إذا ما أصيب نساء وأطفال».
لقد اتضح من سطوة ظهور رجالات الحرب الصهاينة أنهم أصمُّوا آذان العالم، وكتموا أفواه الكثيرين؛ فلا أحد منهم يحتجُّ حتى على جريمة الحصار برسالة أو تصريح، ولكنَّ التاريخ يؤكِّد أنَّ كلَّ من يسكت عن جريمة قتل المدنيين العُزَّل هو شريك في مؤامرة الصمت. الصمت عمَّا يجري ضدَّ المدنيين العُزَّل في غزَّة ليس مؤامرة فقط، وإنما هو مشاركة في جريمة الإبادة ذاتها.
الإعلام الأمريكي وقَلْب الحقائق:
لا ينكر من يتابع الإعلام الأمريكي أنه إعلام يركِّز اهتمامه على الشــأن المحلي الأمريكي بدرجة كبيرة حتــى لو كان قضية في ولاية صغيرة من الولايات الأمريكية. وفي أحداث غزة كشف مركز أبحاث (بيو) - وهو مركز أمريكي متخصص في مجال الأبحاث واستطلاعات الرأي المتعلقة بالإعلام - أنَّ كلاً من وسائل الإعلام الأمريكية والأمريكيين غير مهتمين بالأوضاع في غزة، وأن اهتمام الأمريكيين مُنصبٌّ على ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية والأوضاع الاقتصادية السيئة - الحالية - في الولايات المتحدة. وقد خصصت وسائل الإعلام الأمريكية أقل من 2% من تغطيتها الإعلامية لتغطية الحرب على غزة على مدار الأسبوع الأول من تلك الحرب، وأقل من 2% فقط من الأمريكيين كانوا مهتمِّين بالأوضاع هناك.
كما أوضح البحث أن اهتمام وسائل الإعلام بالاحتلال الأمريكي للعراق قد هبط إلى أدنى مستوياته خلال المدة نفسها؛ حيث شغل الاهتمام بمتابعة الأخبار الحادثة هناك 2% فقط من التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام خلال الأسبوع الأول من الحرب على غزة؛ في حين يتابع أخبار العراق 6% فقط من الأمريكيين.
وجاءت أحداث العراق في المرتبة الخامسة للأخبار التي تابعها الجمهور الأمريكي، بينما اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية بالوفاة المفاجئة لممثل سينمائي شاب (هيث ليدجر) الذي عُثِر عليه ميتاً في منزله وسط مجموعة من العقاقير والمواد المخدرة؛ حيث بلغ إجمالي التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الأمريكي لقضية (ليدجر) 4%، أي: ضعف اهتمامها بقضية الحرب في العراق أو حتى الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
أما الحدث الذي كان مدار اهتمام الإعلام الأمريكي فقد كان التعيينات بعد انتهاء حملة الانتخابات الرئاسية التي خيَّمت على التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الأمريكي، كما كانت مسيطرةً أيضاً على ذهن الرأي العام الأمريكي؛ حيث قال المسح: إن ما يقرب من 40% من التغطيات الإعلامية لوسائل الإعلام الأمريكي قد خصِّصت لحملة سباق البيت الأبيض الرئاسي وما بعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: البيان ـ باسل النيرب