إن العدل الاجتماعي هو الفريضة الغائبة و المنشودة في مواجهة البؤس الكالح الذي صنعته الرأسمالية المتوحشة بالعالم الذي نعيش فيه.
فأهل الشمال الذين يمثلون 20 % من سكان الأرض ـ يملكون ويستهلكون 86% من خيرات العالم!.
وأكبر ثلاث تجارات للعولمة الغربية هي: تجارة السلاح.. فتجارة المخدرات.. فتجارة الدعارة!.، و90 % من العقول العلمية والأبحاث العلمية موظفة لخدمة الصناعات الحربية، بشكل مباشر أو غير مباشر!..
وأكثر من 95 % من رأس المال العالمي موظف في السمسرة والمضاربات ـ بحثا عن الربح السريع ـ وليس في الإنتاج أو الخدمات، لانخفاض القوة الشرائية لدى أغلبية سكان العالم !..
والشركات متعددة ـ ومتعدية ـ الجنسيات و القارات، تقترض الدولارات بفائدة 6 % لتقرضها لدول الجنوب بفائدة مركبة تتراوح بين 20 % و50 % ..حتى أن الكثير من الدول الأفريقية لا تكفي صادراتها لدفع فوائد ديونها مجرد الفوائد!..
وفي العالم الإسلامي تتراوح الفوارق الاجتماعية الفاحشة بين من دخله 100 دولار ومن دخله أكثر من ثلاثين ألف دولار!.. وحتى الفوائض النقدية توظف في خارج ديار الإسلام، ففي مقابل كل دولار يوظف في العالم الإسلامي هناك 56 دولار توظف في البلاد الأجنبية الغربية!..
ولأن الإسلام قد جعل التكافل الاجتماعي فريضة ـ وليس مجرد حق من حقوق الإنسان ـ دعا إلى أن تكون الأمة كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر.. وأعلن براءة الله ورسوله من أي مجتمع بات فيه امرؤ جائع!.. لأن الأموال والثروات ـ بنظر الإسلام ـ مملوكة لله ـ سبحانه وتعالى ـ والناس ـ كل الناس ـ فيها مستخلفون ووكلاء ونواب.. وبعبارة الزمخشري (467- 538 هـ 1075 -1144 م) في تفسير قول الله تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) قال: "إن الأموال التي في أيديدكم إنما هي أموال الله، بخلقه وإنشائه لها، وإنما نوّلكم إياها، وخولكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي أموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب ".
لأن هذا هو مذهب الإسلام في الثروات و الأموال، وفي التكافل الاجتماعي، تطل علينا ـ في مواجهة المظالم الاجتماعية الراهنة ـ كلمات الإمام ابن حزم الأندلسي (384-456 هـ 994-1064م) التي تقول: "وفرض على الأغنياء، من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم.. فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة".
ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه.. وله أن يقاتل عن ذلك، فإن قُتل فعلى قاتله الدية، وإن قُتل المانع فإلى لعنة الله، لأنه مانع حقا، وهو طائفة باغية. قال تعالى: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله} (الحجرات: 90)– ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق، وبهذا قاتل أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ مانعي الزكاة "..
نعم.. إننا في مواجهة البؤس الكاسح الذي تصنعه الرأسمالية المتوحشة بأغلبية البشر، نجد العدل الاجتماعي هو الفريضة الغائبة.. والمنشودة.. ونجد في الفلسفة الاجتماعية الإسلامية طوق النجاة من هذا البلاء الذي يفتك بالإنسان.