لا يخرج التلاميذ عادة من الفصل للذهاب إلى المراحيض، لكن خلال الامتحانات السنوية يصاب بعضهم بـ «عدوى دورة المياه». وقد يتردد التلميذ أكثر من مرة على المرحاض، وتبدو حالته وحالة غيره من المصابين بهذه العدوى الظرفية كضحايا الأعراض النفسية التي تظهر جراء الضغط وشدة التوتر، في حين أن الحاجة التي يذهبون لقضائها هناك حولت دورات المياه إلى «مكتبات» تخبأ فيها الكتب والمقررات الدراسية لاستطلاعها كلما استعصى عليهم جواب.
وفي العادة أيضاً، لا يعتبر التلاميذ والطلبة الجامعيون الكتابة على الجسد فناً من الفنون الجميلة التي يمكن أن تفتح لهم باب الشهرة والمال والعمل، فهم عادة لا يفكرون في الكتابة على أجسادهم، على الأيادي والأذرع والسيقان، ولا يمارسون فنهم سوى في مواسم الصيف، متوسلين النجاح في مشوارهم التعليمي. ويوجد «فنانون» آخرون يتعاطون «النقش» على الخشب ويكتبون على المقاعد وأطراف الطاولات.
وتفضل الشريحة الواسعة من هذه الفئة من التلاميذ والطلاب التسلح بما يشبه الحرز، يعلّق حول العنق أو يشد إلى الخصر. ويملأ الحرز المزيف بأوراق ميكروسكوبية. وبسبب عناء المهمة، برز «نساخ» الغشاشين الذي دخل دورة الإنتاج التعليمية، واستعان بآلات التصوير لتصغير حجم الأوراق، ويسميها المغاربة « الحروزا» و«الحجابات»، كي يستجيب لارتفاع الطلب على خدماته.
ويترفع أصحاب محلات الآلات الناسخة في فصل الربيع وحتى منتصف الصيف عن زبائنهم العاديين الذين يقصدونهم لنسخ بضع وثائق إدارية أو شخصية، ويتملصون من تلبية طلباتهم، ومنهم من يبدأ العمل على نسخته الخاصة لـ «مقررات الغش» قبل فترة ارتفاع الطلب عليها، ثم يطلقون حملات لتسويق بضاعتهم مبكراً في المؤسسات التعليمية.
لكن هذه أنواع تقليدية للغش وأكثرها استخداماً، وهي بنظر الغشاشين المتمرسين تعود إلى العصر الحجري، أو يعتبرونها منتجاً صالحاً لاستهلاك الغشاشين الفقراء، ذلك أنهم ينعمون اليوم بطيبات عصر التكنولوجيا والهاتف النقال الذي جلب معه عصراً ذهبياً جديداً للغش.
وللغشاشين العصريين طقوسهم الخاصة، بعيداً من الفن ودورات المياه والنساخين، ففي الصيف خاصة تكسو القبعات رؤوس عدد كبير من التلاميذ، معلنة بداية صيف «غريب» الأطوار تقتصر حرارته على الرأس دون بقية الجسد الذي يلفه أصحابه بقماش كثير يتهدل على الأذرع أكماماً طويلة، وعلى السيقان سراويل ذات جيوب وثناياً ظاهرة وخفية، مستفيدين من تطور تقنية البلوتوث والساعات الإلكترونية والسماعات الدقيقة الحجم التي يفوق سعرها مائتي دولار، وكلها تمنح تحكماً أفضل في الحركات وتقدم الأجوبة الأقرب إلى الصحة أو الصحيحة تماماً.
وتسرب التكنولوجيا الامتحانات إلى خارج قاعات المؤسسات التعليمية، فيحل أسئلتها أشخاص عاكفون على الحواسيب أو الهواتف المحمولة أو المقررات فوق أسوار المؤسسات وحولها، يملون الإجابات أو يرسلونها مكتوبة من طريق SMS.
ألف حالة غش في عام واحد
وشاعت ظاهرة الغش بأشكالها التقليدية والعصرية في المغرب، وضبط منها في حالة تلبس نحو ألف حالة على المستوى الوطني السنة الماضية. واستشعر المسؤولون في قطاع التعليم والتربية الخطر المقبل من شيوع الغش كسلوك عادي نال من سمعة التعليم برمته، وأحبط الهمم التي تعمل بجد لـ«يتساوى» كدها مع الغشاشين الذين يستولون على المراتب الأولى أحياناً.
وتدرس الوزارة المعنية حالياً وضع استراتيجية خاصة لمكافحة الظاهرة وتطويقها خصوصاً أنها تطورت تقنياً وأصبحت عصية على المكافحة. وتملك الوزارة «دليلاً وطنياً» خاصاً للمشرفين المكلفين بالمراقبة خلال الامتحانات ينبههم إلى إجراءات تشديد المراقبة، كوضعية جلوس التلميذ المشبوهة، ويدلهم على الوضعية السليمة المانعة للغش. ويطالب الدليل المراقب بسحب الهاتف من صاحبه، ومنع الاحتفاظ بأي أوراق إضافية عدا أوراق الامتحان. وتعريض الغشاشين للتشهير في لوائح تعلق بأسمائهم، إلى جانب تحويلهم إلى المجالس التأديبية التي تحرمهم من التعلّم لمدة سنة.
وتجاوزت الإجراءات الجديدة الدليل، وامتدت إلى تفتيش الملابس قبل دخول القاعات، وبلغت الأجساد، خاصة الآذان التي توصل بها السماعات (السلكية واللاسلكية). وأصبحت البنات مضطرات للكشف عن آذانهن وسط تذمر كبير.
ويعلم خبراء التربية والتعليم أن مفعول هذه الإجراءات ظرفي لا يحل المشكل جذرياً، وهذا ما تحاول الاستراتيجية الجديدة أن تحله. وفي هذا السياق، نظَّمت بعض الأكاديميات حملة شعارها «المدرسة من دون غش» اعتمدت على قوافل طافت على المؤسسات التعليمية في مختلف المناطق للتعريف بمخاطر اللجوء إلى الغش على مستقبل التلاميذ والمجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة: 25ـ6ـ07