بات معروفاً بين الباحثين والمختصين في العمارة الإسلامية أن مبنى المسجد الأقصى المبارك الحالي هو المسجد الأقصى الثاني، باعتبار أن المسجد الأقصى الأول (القديم) هو ذاك الذي بناه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (13-23 هجرية/ 634-644 ميلادية)، بعد الفتح الإسلامي لبيت المقدس سنة 15هجرية/ 636 ميلادية، حيث كان يقوم في الجهة الجنوبية الشرقية للحرم الشريف ، والذي امتاز بناؤه بالبساطة المتناهية، ويبدو أن هذا المسجد لم يصمد طويلاً أمام تقلبات العوامل الطبيعية المؤثرة وذلك لبدائية إنشائيته، حتى قام الأمويون بتأسيس وبناء المسجد الأقصى الحالي .
ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك
في الحادي عشر من يونيو عام 1967م قامت إسرائيل بهدم حارة المغاربة المجاورة للحائط الغربي للمسجد الأقصى بعد مهلة 24 ساعة، أعطيت للسكان لإخلاء الحي؛ حيث تم طرد 650 عربيا من حارة المغاربة التي أوقفها عليهم الملك الأفضل الأيوبي في القرن الثالث عشر الميلادي كما تم طرد 3 آلاف عربي من حارة الشرف ، التي أطلق عليها فيما بعد "حارة اليهود" وبهدم حارة المغاربة استولى اليهود على الحائط الغربي للمسجد- حائط البراق - وأطلقوا عليه زوراً وبهتاناً " حائط المبكى " وقاموا بتوسيع الساحة الملاحقة له.
بنى المسجد الأقصى المبارك الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86-96 هجرية/ 705-715ميلادية)، في الفترة الواقعة ما بين (90-96 هجرية/ 709-714ميلادية) فقد أكدت ذلك وثائق البردى (أوراق البردى) التي احتوت على مراسلات بين قرة بن شريك عامل مصر الأموي (90-96هجرية/ 709-714ميلادية) وأحد حكام الصعيد، حيث تضمنت كشفاً بنفقات العمال الذين شاركوا في بناء المسجد الأقصى ، ما يؤكد أن الذي بنى المسجد الأقصى هو الخليفة الوليد بن عبد الملك .
يتألف المسجد الأقصى من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة رخامية ممتداً من الشمال إلى الجنوب ، يغطيه جملون مصفح بألوان الرصاص وينتهي من الجنوب بقبة عظيمة الهيئة والمنظر، كروية الشكل تقوم على أربعة دعامات حجرية تعلوها أربعة عقود حجرية، نتج عنها أربعة مثلثات ركنية لتكون القاعدة التي تحمل رقبة القبة والقبة نفسها والتي تتكون من طبقتين ( قبتين: مثل قبة الصخرة المشرفة) داخلية وخارجية، زينت من الداخل بالزخارف الفسيفسائية البديعة، وأما من الخارج فقد تم تغطيتها بصفائح النحاس المطلية بالذهب ( مثل قبة الصخرة )ولكنها استبدلت حديثاً بألواح من الرصاص ، وذلك لزوم أعمال الترميم التي تمت فيها على يدي لجنة إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك .
ويحف الرواق الأوسط من كلا جانبيه الغربي والشرقي ثلاثة أروقة في كل جانب جاءت موازية له وأقل ارتفاعاً منه. أما الأروقة الواقعة في القسم الغربي ، فقد غطيت بالأقبية المتقاطعة المحمولة على العقود والدعامات الحجرية والتي تم إنشاؤها في الفترة المملوكية. وأما القسم الشرقي فقد غطي بسقوف خرسانية تقوم على أعمدة وعقود حجرية، تم ترميمها وإعادة بنائها على يدي المجلس الإسلامي الأعلى (1938-1943م).
ويدخل إلى المسجد الأقصى من خلال أبوابه السبعة التي فتحت في واجهته الشمالية والتي يؤدي كل منها إلى إحدى أروقة المسجد السبعة ، هذا ويتقدم الواجهة الشمالية المذكورة واجهة أخرى عبارة عن رواق تمت إضافته في الفترة الأيوبية والذي يمتد من الشرق إلى الغرب ، يتألف من سبعة عقود حجرية تقوم على دعامات حجرية.
وعوضاً عن تلك الأبواب السبعة، فقد فتح بابان آخران في كل من الجهة الغربية والشرقية للمسجد، وباب واحد في الجهة الجنوبية وذلك في فترات متأخرة.
أما عن ماذا حصل في 21 آب 1969 وإلى الآن فنقول :
لقد مارست سلطات (الاحتلال) سياسة تعسفية تجاه المسجد الاقصى والمدينة المقدسة ؛ اذ قامت في مطلع عام 1969م بازالة حي المغاربة المجاور للمسجد بكاملة وهدمت العديد من المساجد والمدارس الاسلامية التي تأسست في عهد الدولة الاموية.
ومنذ الاحتلال الاسرائيلي الكامل لمدينة القدس عام 1967 م قامت سلطات الاحتلال بهدم جميع الأبنية الإسلامية والأثرية الواقعة حول المسجد الأقصى بهدف تغيير وإزالة المعالم الإسلامية التي تتصف بها المدينة.
وتضمنت تلك الإجراءات الإجرامية شق الطرق داخل مقابر المسلمين الواقعة بالقرب من الحرم القدسي الشريف حيث جرفت عددا منها بينها مقبرة الرحمة واليوسفية إلى جانب الاستيلاء على مواقع أخرى في القدس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية صهيونية.
ولم تتوقف محاولات الاعتداء من جانب المتطرفين اليهود على المسجد الأقصى يوما فقد تعرض المسجد لسلسلة من الاعتداءات كان منها وضع حجر الاساس لما يسمى بالهيكل الثالث المزعوم وهو ليس سوى جزء من برنامج مخطط يهدف في النهاية الى الاستيلاء على الأماكن المقدسة .
كما تم إغلاق إحدى النوافذ في سورالمسجد الاقصى والتي كانت تستخدم للتهوية في أغسطس عام 1999 وهذا يعد انتهاكا خطيرا وعدوانا على أحد أهم المقدسات الإسلامية، فالاحتلال يهدف من هذا الإجراء إلى الإيحاء بأنه المسؤول الوحيد عن المقدسات الدينية ولكن هذا يتنافى مع مبادئ القانون ومع جميع قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة الخاصة بمدينة القدس المحتلة وينتهك بنود اتفاقية جنيف الرابعة.
وضمن سلسلة الاعتداءات أيضا ماقام به أربعون يهوديا في عام 1979 وذلك بمحاولة اقتحام المسجد والصلاة بداخله ورغم ذلك أصدرت قاضية إسرائيلية حكما ببراءتهم جميعا.
وفي السابع والعشرين من يناير 1982 كانت هناك محاولة أخرى لنسف المنطقة المحيطة بالمسجد الاقصى حتى يتسنى لإسرائيل إقامة الهيكل الثالث بها.
وفي 14 يناير 1989 قام بعض أعضاء الكنيست بعملية استفزازية عن طريق تلاوة مايسمى بمقدس الترحم من داخل المسجد الاقصى ، وقد أثار ذلك مشاعر غضب المسلمين الفلسطينيين ودفع رئيس الهيئة الاسلامية العليا إلى المطالبة بطرد أعضاء الكنيست إلا أن الشرطة الإسرائيلية مكنت الوفد الإسرائيلي من إتمام الزيارة.
وفي السابع من يناير من العام نفسه اقتحم ثلاثون يهوديا ينتمون لحركة "مجوش بنياحم المتطرفة" المسجد الاقصى بعد احتفال ديني أقامته الحركة بزعم الاحتفال بذكرى توحيد القدس .
ومن أشد الاجراءات الاسرائيلية خطورة: محاولات تهويد مدينة القدس باستخدام أساليب بعيدة عن الشرعية تضمنت مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية وممارسة أساليب القهر والإرهاب ضد سكانها العرب والمسلمين من أجل تهويد المدينة بالكامل ومحاولات تهجيراليهود من دول العالم وتوطينهم في القدس بل واعتبارها عاصمة لإسرائيل.
واستمرارا للسياسة الإسرائيلية في تنفير المسلمين والتضييق عليهم وتخويفهم قام المستوطنون في فبراير عام 1994 م بارتكاب مجزرة ضد المصلين العزل من المواطنين الفلسطينيين داخل المسجد الإبراهيمي بمدينة خليل الرحمن بالضفة الغربية راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
وتأتي ذكرى حريق المسجد الاقصى لتؤكد أن مدينة القدس بمقدساتها ستظل عربية وإسلامية الهوية مهما حاولت سلطات الاحتلال تغيير معالم المدينة المقدسة وتوطين آلاف اليهود فيها.
وقد أكد مجلس الأمن في قراره الذي صدر في يونيو عام 80 أن مبدأ الاستيلاء على الأراضي بالقوة هو أمر غير مقبول كما أكد معارضته للأعمال العدوانية التي تقوم بها إسرائيل في المدينة المقدسة واستنكر المجلس في العام نفسه ضم القدس واعتبارها عاصمة لها وطالب كل الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة.
وجاء البيان الذي صدر عن مجلس الأمن في يونيو عام 1998 وللمرة الأولى بإجماع أعضائه لمنع إسرائيل من توسيع القدس ليدل على انتهاك إسرائيل لقرارات الشرعية الدولية. وقد انطلقت انتفاضة الأقصى بعد الزيارة الاستفزازية التى قام بها أرئيل شارون على رأس مجموعة دينية متطرفة إلى المسجد الاقصى المبارك.
ولم تكتف القوات الإسرائيلية بذلك بل عمدت إلى تحويل أحد المساجد قرب مدينة نابلس فى فلسطين المحتلة إلى كنيس يهودى على يد مجموعة من المستوطنين اليهود وهو إجراء يندرج ضمن تاريخ أسوأ من الممارسات الدنيئة التى اعتادها الاحتلال ضد الاماكن المقدسة كاعتدائه على المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة والمسجد الإبراهيمى فى الخليل ومسجد عمر بن الخطاب فى القدس وغيرها من المساجد، (فضلا عن الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك من قبل بعض المسؤولين وعصابات المستوطنين، والانتهاكات المستمرة إلى يومنا هذا).