رغم النشاط الدعوى الواضح للأئمة، وخطباء المساجد، والتطور الذى شهدته البرامج الدينية فى وسائل الإعلام، وكذلك التقدم العلمى المطرد، فمازال بيننا من يعلقون الخرزة الزرقاء، ويتطيرون من رقم 13، والقطط السوداء، ويستعينون بالبخور، وقراء الطالع لطرد الأرواح الشريرة - على حد اعتقادهم - ويقيمون الزار، ويثقبون العرائس الورقية، ويحرقونها، لرفع الحسد عن أطفالهم، وغير ذلك من الآفات الفكرية، وأيضًا الآثام الشرعية، فالاعتقاد فى مثل هذه الأمور يعكس ضعف العقيدة، بل إن بعضها من الكبائر مثل: السحر.
السيدات كريمة، ومنى، وعزة، وفوزية، وصدفة تؤمنّ بالأعمال السفلية، وتحكين تجاربهن الشخصية، أو تجارب معارفهن بشأن هذه الأعمال، ويفسرن ذلك بأنهن وجدن آباءهن، وأمهاتهن يؤمنون بهذه الأمور، بل ويمارسونها، بل إن السيدة فوزية تتحمس جدًا للعرافين، فقد سُرقت طيور لإحدى جاراتها، وتمكن العراف من تحديد السارق!
كما أن السيدة فوقية ظلت تعمل الزار لمدة ثلاثين عامًا، ولم تتوقف لكبر سنها!
ولكن السيدات فاطمة ومريم وعلا وسمية ونُهير يؤكدن أن النفوس الضعيفة غير المتصلة بالله هى التى تؤمن بهذه الخرافات، فترد عليهن إنجى مؤكدة إيمانها الشديد بالأبراج وقراءة الطالع، فكل مواصفات برجها تنطبق عليها.
ومن التناقض الصارخ أن يكون الإعلام مشاركًا فى نشر الخرافة والدجل، فمعظم الصحف والمجلات تخصص أبوابًا للأبراج، وملاحق لطوالع العام الجديد، كما أن هناك برامج فضائية حول هذه الأمور، بينما من المفترض أن يكون الإعلام وسيلة للتوعية، ونشر قيم التفكير العلمى، ونبذ الخرافة، وترسيخ اليقين، وحسن التوكل على الله.
أسلوب حياة
الدكتورة إجلال إبراهيم - أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب عين شمس - تعلق على ظاهرة الإيمان بالخرافات قائلة: هذه المعتقدات الشعبية هى عبارة عن موروثات ثقافية، أو أسلوب حياة بالنسبة للمصريين، وكل مجتمع له موروثاته الثقافية ومعتقداته الخاصة به.
وهذه المعتقدات تنقل من جيل إلى جيل، وعادة ما تكون هذه الأشياء موجودة فى محيط الأسرة من مكان إلى آخر.
مثلاً عند مرض الطفل يقول الأهل إنه محسود أو منظور، فيذهبون به لزيارة المشايخ والأولياء.
ولا ننكر أن هذه الأشياء بدأت تنقرض، لكنها تظهر عند وجود موقف معين كضائقة مالية، أو مشكلة زوجية، وللأسف فهى توجد بين المتعلمين حتى لو لم يكونوا يعتقدون فى صحتها، ولكنهم يفعلونها بروح المغامرة والتقليد.
وهذا يعنى أن الأمر - رغم خطورته الاجتماعية والدينية - له طابع الطرافة الذى يجذب إليه البعض فيمارسونه، وهم لا يقدرون هذه الخطورة، ولا الإثم الذى يرتكبون، بل قد يطلقون على ما يفعلونه دعابة، وهذا يجعل المواجهة صعبة؛ لأن الناس لا يشعرون بأنهم مخطئون، ومن هنا يجب على الأئمة والدعاة ومؤسسات الإعلام الالتفات إلى هذه المشكلة، وتوعية الناس بخطورتها حتى إذا رسخ فى وعيهم هذا كان من السهل اقتلاع هذه المعتقدات الخرافية من عقولهم.
إذا سألت فاسأل الله
ويرى الدكتور محمد الشحات الجندى - أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان - أن الاعتقاد بين العامة بأن السحر والشعوذة، وتعليق التمائم ينفع ويشفى، وهذا الاعتقاد قائم على خرافات وأوهام يأباها الإسلام، ويحذر منها، ومن الوقوع فى براثنها؛ لأن النافع والضار هو الله (سبحانه وتعالى) ولا يملك الإنسان من أمر نفسه شيئًا، كما لا يملك أن نفعه أو ضره البشر جميعًا؛ لأن كل شيء بقضاء، وقضاء الله هو النافذ فلا معقب لقضائه، ولا راد لحكمه، والحديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يؤكد ذلك لقوله: «وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
كما ثبت أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الطيرة وهى التشاوم، ونهى عن الحسد، والحقد، وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية كالذهاب إلى السحرة، والدجالين، وعمل الزار، وتظهر هذه الأمراض فى المجتمعات التى لم تحسن فهم الإسلام، ولم تقدر الدين حق تقديره ، وإنما صارت بفعل عوامل التشويش والتخلف، وعدم الفهم الصحيح للإسلام كما أن هذه الآفات الاجتماعية لها أثر مدمر على حركة الحياة، وتؤدى إلى الإنصراف عن الأعمال النافعة، وعدم القيام بالعمل الخلاق الذى يبنى الأمة، ويتحرى سنن الله فى خلقه، فلا بد أن نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.