يشكّل كتاب "دحر المقاومة للاحتلال عن قطاع غزة: بداية هزيمة المشروع الصهيوني"، مرجعاً معلوماتياً مهماً، مدعماً بتصريحات المسؤولين والمراقبين.
ويستعرض الكاتب الموضوع من خلال أربعة فصول، قسمها إلى مباحث عدة، ثم خلص إلى استنتاجات، وملاحق تتضمن جداول وصورا.
انطلاق المقاومة
في الفصل الأول تحدث الكاتب عن انطلاق المقاومة في انتفاضة الأقصى، من خلال ثلاثة مباحث. استعرض في الأول نبذة عن قطاع غزة، جغرافيته وتاريخ تكونه ومساحته، ونموه السكاني.
وتحدث عن إجراءات الاحتلال واضطهاده، وبين كيف أن هذه الأوضاع ساهمت في اشتعال انتفاضة الحجارة. وفي المبحث الثاني تحدث عن التوجه نحو عسكرة الانتفاضة، وقدّم فيه نبذة عن تاريخ المقاومة في القطاع معتبراً أنها بدأت منذ اليوم الأول لإنشاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948، وبيّن أنها اتخذت أشكالاً جديدة بعد احتلال القطاع في عام 1967.
وذكر بعض أساليب المقاومة وتكتيكاتها والتطورات التنظيمية التي مرت بها. ومن خلال هذا الاستعراض، استنتج الكاتب بعض الحقائق التي كشفتها الانتفاضة، وتركّز معظمها حول حياة الأمة ومكانة فلسطين في قلبها.
استفاض في المبحث الثالث في الحديث حول التشكيلات العسكرية في الانتفاضة، وقدم لذلك بالإشارة إلى الانتكاسة التي تعرضت لها المقاومة إثر اتفاقات أوسلو، وتحدث عن ممارسات بعض أجهزة السلطة في اضطهاد قادة المقاومة وكوادرها.
ثم تحدث عن أهم الأجنحة العسكرية التي كانت لها مساهمة وتأثير في فعاليات الانتفاضة، ذكر فيه نبذة تاريخية عن كل فصيل، وبيّن أهم إنجازاته.
ألقى الكاتب الضوء على كتائب الشهيد عز الدين القسام، وبعد الإشارة إلى تاريخ نشأتها، استعرض أهم ما تميزت به، فذكر في مجال التصنيع (الصواريخ، والقاذفات، والعبوات، والقنابل اليدوية)، ونوّه بالتماسك التنظيمي لأهميته، وقيامها بالتنسيق مع بعض فصائل المقاومة.
كما أشار إلى الانسجام الحاصل بين تكتيكاتها العسكرية والقرارات السياسية. وقال إنها كبّدت العدو بمفردها 47% من إجمالي قتلاه وجرحاه في انتفاضة الأقصى.
وتحدث عن كتائب شهداء الأقصى، وأشار إلى أن قيامها بالعمليات العسكرية داخل فلسطين المحتلة 1948 أظهر التناقض داخل صفوف حركة فتح.
حيث اعتبر من أسماهم "الحرس القديم" أن ذلك يمثل خروجاً عن السياسة العامة للحركة، بينما رأى "الجيل الجديد" أن الاحتلال لايزول إلا بالمقاومة.
وأشار إلى سرايا القدس، وقال إنها تعرضت لعمليات اغتيال مركزة ضد قادتها وكوادرها، الأمر الذي لم يمكنها من استعادة حيويتها، إلا مع بداية انتفاضة الأقصى.
وتحدث عن كتائب الشهيد أبو علي مصطفى التي كانت تسمى مع بداية الانتفاضة عام 2000 "قوات المقاومة الشعبية" قبل أن تحمل اسم أمينها العام بعد اغتياله.
وذكر كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وتوقف عند ألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية، مبيناً أنها جناح مستقل تشكل مع بداية انتفاضة الأقصى.
تطور المقاومة المسلحة
وفي الفصل الثاني يستعرض الكاتب تطور المقاومة المسلحة خلال انتفاضة الأقصى، وأفرد مساحة كبيرة للمبحث الأول الذي تحدث فيه عن أهم أساليب وأشكال المقاومة خلال الانتفاضة، التي ذكر منها:
أولاً: العمليات الاستشهادية، وأثرها على ساحة الصراع وعلى العدو تحديداً، وبيّن كيف أنها شكلت توازن رعب وردع (استهداف مدنيين مقابل استهداف مدنيين).
وهذا ما اعترف به أحد الجنرالات: إن الفلسطينيين باتوا يدركون أن الهجمات "الفدائية" سلاح استراتيجي يحقق التوازن. وأنها متعلقة بالإرادة، وبالتالي لا يستطيع جيش الاحتلال مواجهتها.
كما أكد الجنرال "غسان لوفت": أن الفلسطينيين يدركون أن إسرائيل لا تملك سلاحاً مضاداً لسلاح الاستشهاد. وفي هذا السياق نفسه أشار إلى ظاهرة الاستشهاديات، وذكر أن العمليات الاستشهادية استقطبت كافة فئات وأجيال الشعب العمرية والمستويات التعليمية والاجتماعية، ومن كلا الجنسين.
ثم توقف الكاتب عند انتقادات الإسرائيليين وبعض السياسيين الفلسطينيين للعمليات الاستشهادية وإدانتها.
ثانياً: الكمائن المسلحة وإطلاق النار الذي يستهدف الجنود، التي وصفها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية شلومو غازيت بقوله: نواجه عمليات إطلاق نار تتركز على الجنود وهذه تغييرات في التوجهات ترتبت عليها نتيجتان: الأولى، سلبت المبررات الأخلاقية خاصة على المستويين الإعلامي الدولي. والثانية: وجهت ضربة قاسية لكبرياء الجيش ولصورته التي "لا تُهزم" ولقوة ردعه.
ثالثاً: اقتحام وتدمير المواقع العسكرية: بعد اختراق أنظمتها الأمنية والتمكن من الوصول إلى عمقها، وهو ما عدّه الباحثون العسكريون الإسرائيليون "قمة المواجهة مع الاحتلال". ثم قدم الكاتب سرداً لعدد كبير من هذه العمليات.
رابعاً: اقتحام المستوطنات، بأسلوب مكّن المقاومين من التسلل إليها من داخلها. ورأى أنه كان لهذا التطور أثر فعّال، حيث علق أحد الصحفيين بالقول "هو انهيار سور آخر من أسوار الردع". ثم ضرب أمثلة على ذلك.
خامساً: حرب الأنفاق التي عدّها أحد أخطر الأساليب العسكرية، وقد تمكن المقاومون من تطويرها، مما أدى إلى إبطال مفعول جوانب التفوق الإسرائيلية.
واستدل على ذلك بأن قوات الاحتلال لم تتمكن إلاّ من اكتشاف عدد ضئيل من هذه الأنفاق، وقد دفع هذا مسؤول الأبحاث والتطوير في الجيش الإسرائيلي "داني غولد" إلى التصريح قائلاً "نحن مضطرون للاعتراف بأنه لا يوجد لدى الجيش حل سحري لمشكلة الأنفاق".
ولفت الكاتب النظر إلى أن أجهزة السلطة استطاعت اكتشاف وتدمير أكثر من 25 نفقاً!. ثم قدم عرضاً لأهم عمليات الأنفاق.
سادساً: صواريخ القسام، التي رأى فيها نقلة نوعية، خصوصاً أنها هددت المستوطنات داخل القطاع وخارجه، ونبه إلى أنها زادت من حساسية الموقف الإسرائيلي في التعامل مع هذا التطور بعد زيادة مداها إلى 15 كلم.
حيث قدر المراقبون أن أكثر من 43 مستوطنة وتجمعاً إسرائيلياً داخل أراضي 1948 باتت مهددة بنيران هذه الصواريخ. ثم استشهد بتصريح أومري شارون عن أن صواريخ القسام حولت الجدار إلى "وسيلة أقل ملاءمة للوضع".
سابعاً: صراع الأدمغة وحرب المخابرات، أو الحرب الأمنية, أشار فيها الكاتب إلى قدرة المقاومين الفلسطينيين على اختراق الأجهزة الإسرائيلية، وبيّن أن المقاومين تمكنوا من استدراج بعض المجموعات والضباط الإسرائيليين، وتمكنوا من قتل بعضهم وإصابة بعضهم الآخر إصابات بليغة، إضافة إلى تنفيذ بعض عمليات الأنفاق من غير أن تتمكن أجهزة الأمن الإسرائيلية من كشفها، وكذلك تشغيل بعض العملاء "المزدوجين".
حتى شهد الضابط في الاستخبارات العسكري الإسرائيلي "رويزدا نينيل" بالفشل الاستخباري الإسرائيلي، ورأى أنه يمثل في المقابل نصراً غير مسبوق في مجال استخبارات المقاومة.
ثامناً: أسر الجنود والمستوطنين: الذي عدّه الكاتب الأسلوب الأكثر ملاءمة لتحقيق الإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وقدم شرحاً بيّن فيه الأساليب التي اتبعها المقاومون في التخطيط والتمويه بشكل ذكي ومتميز.
وخصص المبحث الثاني للحديث عن التطور الذاتي لوسائل المقاومة، مثل صناعة الصواريخ والمتفجرات على أنواعها.
وبين طبيعة العراقيل التي فرضها الاحتلال على القطاع لمنع دخول أي من المواد التي يمكن أن يستفيد منها المقاومون في التصنيع والتطوير.
خسائر العدو
أما الفصل الثالث، فقد تناول خسائر العدو بسبب عمليات المقاومة وردود فعله عليها. فبين خلال المبحث الأول من هذا الفصل أن التكاليف العسكرية للاحتلال قد بلغت خلال الأعوام الأربعة الأولى من انتفاضة الأقصى نحو مليار و485 مليون دولار، وعلى مستوى الخسائر البشرية فقد بيّن أن عدد القتلى بلغ 1355 والجرحى 6709.
هذا إضافة إلى الخسائر النفسية والاجتماعية البليغة، في حين أظهرت الإحصاءات أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي خلال (2000-2004) قد بلغت أكثر من 15 مليار دولار.
وأفرد المبحث الثاني للحديث حول ردود الفعل الإسرائيلية على المقاومة. وبعد أن أشار الكاتب إلى مجمل الأساليب الهمجية التي لم يتوانَ الاحتلال عن استخدامها من أجل قمع المقاومة وإذلال الفلسطينيين، ركز على تسعة أساليب رأى أن الاحتلال اتبعها لضرب المقاومة.
وهذه الأساليب هي: إقامة المناطق والأسيجة الأمنية المجهزة بمعدات إليكترونية، وتطوير سلاح الجو، والوسائل التقنية والتكنولوجية، وإنتاج الأسلحة الحديثة، بفضل الهبات والمساعدات العسكرية الأميركية، وتطوير أجهزة التجسس، وتكثيف عمليات الاجتياح والتوغل، التي مارستها قوات الاحتلال بذريعة الرد على صواريخ القسام.
بالإضافة إلى تصعيد عمليات اغتيال المقاومين، واستخدام المدنيين دروعاً بشريةً، وتشديد العقوبات الجماعية، التي استخدمها الاحتلال لتعزيز ما سماه "سياسة الردع"، كما أشار إلى العقوبات الاقتصادية.
دور المقاومة في المرحلة المقبلة
وفي الفصل الرابع: ناقش الكاتب دور المقاومة في المرحلة المقبلة. وتحدث في المبحث الأول عن عوامل نجاح المقاومة في فرض الانسحاب الإسرائيلي من غزة.
فعدّد مجموعة عوامل رأى أنها تمثل الخصائص الرئيسية التي تميزت بها المقاومة، وذكر منها: ارتفاع الروح المعنوية، والسرية، والاحتراف القتالي في إتقان الهجوم، والدقة في التخطيط والتنفيذ، وتوسيع قاعدة المقاومة، وتركيز المواجهة مع المحتل وتهدئة الداخل، وتطوير التكتيكات وأساليب الهجوم. وضرب على ذلك أمثلة عدة تؤكد ما ذهب إليه.
وخصّص المبحث الثاني للحديث عن الوضع الأمني والميداني في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، ركز فيه على ظاهرتين: الأولى تمثلت في استمرار تهديد صواريخ القسام؛ أما الثانية فكانت في إقامة المنطقة الأمنية العازلة بعمق 150م داخل حدود القطاع، حيث ادعت قوات الاحتلال أنها أقامتها بغرض حفظ الأمن.
وأشار الكاتب في المبحث الثالث إلى الوضع الأمني والميداني في الضفة الغربية. وركز فيه كذلك على نقطتين: الأولى: نقل السلاح والخبرات؛ بحسب مصادر جهاز الشاباك التي أعلنت أن حركة حماس تمكنت خلال تهدئة 2005 من نقل خبراتها إلى الضفة الغربية.
والنقطة الثانية: الإجراءات الأمنية والميدانية التي نفذتها قوات الاحتلال؛ والتي رأى فيها المراقبون؛ أنها مؤشر على "اتساع مؤشر الخوف"، وخاصة في محيط المستوطنات.
وخصص المبحث الرابع لاستشراف مستقبل المقاومة بعد الانسحاب من غزة. وقد انطلق الكاتب في نظرته من قناعة قادة المقاومة، القائمة على أساس أن المقاومة وُجدت أصلاً ليس لتحرير القطاع فقط وإنما لتحرير واسترداد كامل الحقوق.
ومع أن الأهداف تغيرت وواقع الميدان قد تبدل، إلا أن الناطقين باسم حركات المقاومة مازالوا يكررون: "أن المقاومة ستستمر لأنها مرتبطة بوجود الاحتلال.
لا شك أن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً في جمع وإعداد هذه المادة وعرضها بشكل سلس ومنظم؛ وهو يعطي بدراسته هذه للمقاومة جزءاً من حقها، مبرزاً بطولاتها وتضحياتها ونتائج عملها.
وربما كان من حق الكاتب أن يحمل كتابه لهجة تفاؤلية، لكن ينبغي التنبه إلى الجوانب الإستراتيجية والسياسية التي بنى الإسرائيليون على أساسها عملية الانسحاب من قطاع غزة.
كما ينبغي تحذير المقاومة وفصائلها من الوقوع في شرك الصراع الداخلي والفوضى، والتنبّه إلى مراكمة المنجزات والسعي لبناء مؤسسات وطنية فاعلة تستطيع استكمال مسيرة التحرير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزيرة نت ( بتصرف يسير)