جميلة.. رشيقة.. متمردة.. حالمة.. مثيرة.. هكذا تظهر الأنثى فى وسائل الإعلام والأعمال الدرامية والفضائيات، فهل هذه هى «الأنثى» الحقيقية؟ وكيف تؤثر الصورة النمطية للأنثى على الأسرة ؟ وهل ما يقدم بالفعل هو رؤية عامة للمجتمع، أم أنه رؤية وسائل الإعلام الخاصة المتناقضة تمامًا مع الواقع ؟
الإجابة فى هذا التحقيق:
استغلال سيئ
تقول د. منال أبو الحسن - أستاذة الإعلام بجامعتى الأزهر و6 أكتوبر، وعضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل -: أظهرت أحدث الدراسات الإعلامية أن كلاً من الفيديو كليب والإعلان يستغلان جسد الأنثى فى الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخذم هذه الأنوثة فى نشر الرذيلة والفاحشة؛ إذ يركز تصوير ال?يديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء فى جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا فى دور العاشقة التى تتدلل على حبيبها.
أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعانى من مشكلات سببها دائمًا - أنها أم وزوجة - ومعنى ذلك أن دورى المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات فى هذه الأعمال الدرامية فى أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسئولياتها.
كما يلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.
وتضيف د. منال: من حق المشاهد أن يرى نموذجًا يقتدى به فى وسائل الإعلام، ولكن نموذج الأنثى الذى تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدى إلى زيادة التفكك الأسرى، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفى أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق فى الواقع بين الإناث بنسبة 30% فقط، فهذا قد يؤدى إلى زهد الأزواج فى زوجاتهم اللاتى قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام.
ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راض عن مستوى جمال زوجته.
خطاب الندية والصراع
وكانت صورة المرأة فى وسائل الإعلام هى محور المنتدى الفكرى الأول للمجلس القومى للمرأة، وفى هذا المنتدى أكد الإعلامى الأستاذ جمال الشاعر - رئيس قناة النيل الثقافية - فى مشاركته أن وسائل الإعلام تتحدث عن النساء، ولا تجعل النساء يتحدثن عن أنفسهن، والثغرة الأخرى فى وسائل الإعلام فى معالجتها لقضايا المرأة هى عدم الاهتمام بالثقافة الدينية، وتحول الخطاب إلى خطاب ندية وصراع، وكأننا فى معركة بين المرأة والرجل ينتصر فيها البعض للمرأة على حساب الرجل أو العكس، والمفروض أن يكون الخطاب الإعلامى غير مستفز؛ لأن العائلة كلها فى قارب واحد، إن غرق غرق بالذكر والأنثى معًا، وإن نجا نجا بهما معًا أيضًا.
أما د. عواطف عبد الرحمن - أستاذة الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة - فأشارت إلى أن الدراسات التى أجريت على المجلات النسائية المختصة فى العالم العربى أكدت أنها تخصص 75% من صفحاتها للجوانب الجمالية والمظهرية للمرأة كالأزياء والمكياچ، أو المشكلات العاطفية للقارئات، مما يكرس فكرة أن القضية الأولى للمرأة العربية هى اهتمامها بأنوثتها، وإغفال قدراتها كإنسانة وكمواطنة.
كما تولى وسائل الإعلام اهتمامًا مبالغًا فيه لبعض المهن مثل: الاهتمام بالفنانات، والرياضيات، وسيدات الأعمال على حساب المعلمات والباحثات والعالمات والفلاحات.
استراتيجية غائبة
تشير د. سامية الساعاتى - أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس - إلى وجود صورتين مختلفتين للأنثى فى وسائل الإعلام، الأولى: تبدو فيها الأنثى عاجزة، عديمة الثقة فى زوجها وفى نفسها، والثانية تظهر فيها المرأة قادرة على اتخاذ القرار، مكتفية بذاتها، مستغنية عن الرجل.
وهذا يدل على غياب الاستراتيجية العامة لوسائل الإعلام، وعدم قدرتها على صنع صور إيجابية لفئات المجتمع المختلفة.
رشيقة رغم الزمن !!
وفى مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة، الذى عُقد فى قطر فى الفترة من 25 - 29 من نوفمبر 2004م، قدم د. محمد العوضى - الكاتب والمفكر الإسلامى الكويتى - ورقة بحثية ذكر فيها: أن نتائج الدراسات التى أجريت فى بلاد مختلفة، وعلى فترات زمنية متغايرة أظهرت وجود نوع من التنميط للأدوار التى يقوم بها الفرد فى عالم الدراما بناء على جنسه، كما يوجد أيضًا تنميط للسمات الجسدية لكل من المرأة والرجل.
ففى دراسة تم خلالها تحليل مجموعة من المسلسلات الأمريكية، وجد الباحثون أن 69% من الشخصيات النسائية تتوافر لديهن صفة الرشاقة، فى حين أن هذه السمة لم تتوافر إلا لدى 17% من الرجال الذين كانوا من ذوى القوام الرياضى فى المسلسلات.
كما يلاحظ فى الأعمال الدرامية أن الرجال يشيخون إذا كانت الأحداث ممتدة على مدى زمنى كبير، فى حين لا يمر الزمن على النساء، فتظل الأنثى محتفظة بشكلها الجذاب، وإن تعارض ذلك مع المنطق الدرامى للأحداث.
شقراوات وعيونهن زرقاء
كما أشار د. العوضى إلى أن المرأة فى الفضائيات والإعلانات صارت هى المقياس التى تحدد معايير الجمال فى الواقع الحقيقى للإناث، ومن ثم فمن اللافت للنظر أن تتحول غالبية النساء فى محطات الإعلام العربية إلى شقراوات ملونات العيون، سواء بالنسبة للمذيعات أو فتيات الإعلانات، وهو ما لا يتفق مع السمات الشكلية للفتيات العربيات.
أغلفة المجلات وشرائط الفيديو:
وفى دراسة بريطانية قديمة (1980م) تم تحليل صورة الأنثى التى احتلت صفحات الغلاف لبعض المجلات الإنجليزية، فوجدت الباحثة «فيرجسون» أن الصورة الأكثر تقديمًا للمرأة على غلاف المجلات هى الوجه الحالم للأنثى الذى يعطى إيحاءً بأنها متاحة وتحمل ملامحها دعوة صامتة للاقتراب.
ولا عجب أن تكون هذه هى أغلفة المجلات فى بريطانيا أو أمريكا وغيرها من دول الغرب والشرق غير المسلمة، أما العجب العجاب فمن إعلامنا الذى لم يعد يرقب فى إناثنا إلاّ ولا ذمة، وأصبح ينظر إليهن على أنهن جسد بلا روح، بلا عقل، بلا إحساس.
ــــــــــــــــــ
مركز الإعلام العربي