قال عبيد بن زياد : كان لي خال من كلب فكان يقول لي : يا عبيد هم ؛ فإن الهمة نصف المروءة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " تقول العامة : قيمة كل امرئ ما يحسن ، والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب ".
ولابد للداعية أن تكون همته في الثريا ، وأن يكون ذا طموح وتطلعات وآفاق أن يصل بدعوته إلى أبعد الأماكن وأعلى المستويات ، ولا يستبعد على دعوته شيئـًا ، وهذا الطموح لا يتأتى إلا باليقين بأن النصر لهذا الدين وأن العاقبة للمتقين .
في صحيح مسلم عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زري لي منها ].
وعن تميم الداري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر ] (رواه أحمد)
فلو أن داعية بَشَّر أصحابه بفتح البيت الأبيض أو الكنيست أو البيت الأحمر لكان له في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة يوم بشَّر أصحابه بامتلاك كنوز كسرى وقيصر، وهو يحفر الخندق ويضرب الصخرة بمعوله ، وقد ربط على بطنه حجرين من شدة الجوع ، والحال كما وصفه الله تعالى : (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً)(الأحزاب/10 ، 11) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - لسراقة بن مالك حين كاد يدركه في الهجرة: [ ارجع ولك سواري كسرى ].
وقد شهد التاريخ لدعاة الحق من الصحابة فمن بعدهم بعلو هممهم ، وعظم طموحهم :
فهذا خالد بن الوليد يقول لأعدائه وقد تحصنوا منه في حصون منيعة : أين تذهبون منا ، والله لو كنتم في السحاب لأصعدنا الله إليكم أو لأمطركم علينا .
وهذا الرشيد لما نكث الناكث عهده وكتب إليه : من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب .. بلغنا أن الإمبراطورة إيرين كانت ترسل لك أموالا (جزية ) ، فإذا جاءتك رسالتي هذه فرد إلينا أموالنا وإلا فالسيف بيننا وبينك . فلما قرأ الرشيد الرسالة استشاط غضبا ، ثم كتب على ظهرها : من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم .. يا ابن الكافرة .. الجواب ما ترى لا ما تسمع .. لآتينك بجيش أوله عندك وآخره عندي . وجهز الرشيد جيشا عظيما ، وغزا به نقفور وهزمه ، حتى دفع كلب الروم الجزية عن يد وهو صاغر.
ولما حاصر محمد الفاتح السلطان العثماني العظيم مدينة القسطنطينية ، واستعصت عليه بعض الوقت ، وقف أمام أسوارها وقال : حسن والله ليكونن لي فيك قصر أو قبر . وكان له ما أراد ، وفتحها الله عليه بعد أن تأبت على قادة كثر قبله .
وتارخنا الإسلامي زاخر بهذه النوعية من الدعاة والقادة الذين قاموا لهذا الدين ونصروه ، وكانت هممهم أعلى من أوكار النسور ، وأرسخ من الجبال الرواس ، ولا شك أن بين المسلمين من يحمل بين جوانحه مثل هذه الهمة ولكنهم قليل .
في كتاب علو الهمة للدكتور الشيخ محمد بن إسماعيل : أن مؤذنـًا بلغه أن برج " بيزا " يميل وأنه يكاد يسقط فبدا عليه الحزن وقال : كنت أتمنى أن أؤذن للصلاة من فوقه " .
وهذه همة عالية وطموح جيد وطيب ، ونحن لا نشك في فتح هذه البلاد وظهور الإسلام عليها ، وإنما متى يكون ذلك ؟ هذا تحدده همة الدعاة وعطاؤهم لهذا الدين للتحقق شروط التمكين.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف/21) .
...............................