قال الله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم) لقمان 13 .
وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما - وهو طفل - أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كخ، كخ، ارم بها أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة] .
وفي رواية: [أنّا لا تحلّ لنا الصدقة] . رواه البخاري ومسلم .
وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي في كنفه وحمايته - وكانت يدي تطيش في الصّحفة - أي تدور في نواحي الإناء-.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك] رواه البخاري ومسلم .
فما زلت تلك طعمتي بعد - أي صفة أكلي-).
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:
كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم - أي على دابته - يوماً فقال:
[يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف] . (رواه الترمذي وغيره) .
وفي رواية أخرى: [احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا] .
- وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا نهى الناس عن أمر، دعا أهله فقال: (إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقع الناس، وإن هبتم هاب الناس، وإنه والله لا يقع أحد منكم في شيء نهيت عنه، إلا أضعف له العقوبة لمكانه مني) .
من مواعظ علي رضي الله عنه:
ووعظ علي كرم الله وجهه ابنه الحسن رضي الله عنه فقال:
(يا بني، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك:
فأحبَّ لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها.
ولا تظلم، كما لا تحب أن تُظلم.
وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك.
واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك.
وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك.
ولا تقل ما لا تعلم، ولا كل ما تعلم.
ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.
ولا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حرّاً.
واعلم أن حفظ ما في يدك، أحب إليك من طلب ما في يد غيرك.
ولا تأكل من طعام ليس لك فيه حق، فبئس الطعام الحرام.
وجدّ في الحصول على معاشك.
وإياك والاتكال على المنى، فإنها بضائع الموتى.
يا بني، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.
وإياك أن تذكر في الكلام ما كان مضحكاً، وإن حكيت ذلك عن غيرك.
وأكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي تطير به، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول، ولسانك الذي به تقول.
ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك.
ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان.
وليس جزاء من سَرّك أن تسوءه) .
نصيحة والد:
ورأى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه في يد ولد من أولاده خاتماً قيمة فَصّه ألف درهم، فأقسم عليه أن يبيعه، ويجعل ثمنه في بطن ألف جائع، وأن يتخذ مكانه خاتماً ينقش عليه: (رحم الله امرأ عرف قدره).
تربية خال:
وقال سهل بن عبدالله التُستري رضي الله عنه:
(كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار.
فقال لي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟
فقلت: كيف أذكره؟
قال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك.
(الله معي، الله ناظر إليّ، الله شاهدي).
فقلت ذلك ليالي ، ثم أعلمته.
فقال: قل في كل ليلة سبع مرات.
فقلت ذلك ثم أعلمته.
فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة.
فقلته، فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي خالي:
احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة.
فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري.
ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل، من كان الله معه، وناظراً إليه، وشاهده، أيعصيه؟! إياك والمعصية!
فكنت أخلو بنفسي، فبعثوا بي إلى المكتب (الكتّاب).
فقلت: إني لأخشى أن يتفرق عليَّ همي، ولكن شارطوا المعلم، أني أذهب إليه ساعة فأتعلم، ثم أرجع.
فمضيت إلى الكتاب، فتعلمت القرآن، وحفظته وأنا ابن ست سنين، أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر، وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة، فوقعت لي مسألة، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فسألت أهلي أن يبعثوني إلى أهل البصرة فسألت علماءها، فلم يشفِ أحد عني شيئاً.
فخرجت إلى عبادان. إلى رجل يُعرف بأبي حبيب حمزة ابن أبي عبدالله العباداني، فسألته عنها، فأجابني، فأقمت عنده مدة، أنتفع بكلامه، وأتأدب بآدابه، ثم رجعت إلى تُستر...).
من وصية لحجة الإسلام:
من وصية للإمام الغزالي رضي الله عنه إلى أحد تلاميذه:
( اعلم يا بُني - أطال الله بقاءك بطاعته - أن علامة إعراض الله عن العبد، اشتغاله بما لا يعنيه. وأن أمرأً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له، لجدير أن تطول عليها حسرته.
النصيحة سهلة، والمشكل قبولها، لأنها في مذاق أتباع الهوى مُرَّة.
تيقن أن العلم الذي لا يصحبه عمل، لا يأخذ باليد - أي لا ينجي - ولو أنك قرأت العلم مئة مرة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل.
عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به.
يجب عليك أربعة أمور:
اعتقاد صحيح، لا يكون فيه بدعة.
وتوبة نصوح ، لا رجوع بعدها إلى المعصية.
واسترضاء الخصوم، حتى لا يبقى لأحد عليك حق.
وتحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى، ثم من علوم الآخرة، ما تكون به النجاة.
واعلم أن العبودية لله تعالى، تتحقق بثلاثة أشياء:
أحدهما: المحافظة على أمر الشرع.
والثاني: الرضا بقضاء الله تعالى وقدره وقسمته.
والثالث: ترك رضا النفس في طلب رضا الله تعالى.
وإذا وعظت غيرك، فلا تتكلف في الكلام والعبارات والإشارات، ولا يكن همك أن تجمع الناس عليك، أو أن يُظهروا الوجد ويشقوا الثياب... بل ليكن عزمك وهمتك، أن تدعو الناس إلى الله عز وجل، والعمل للآخرة، وأن تنقلهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الغرور إلى التقوى، ومن ذميم الصفات إلى المحمود منها.
ولا تخالط الأمراء والسلاطين، وإذا ابتُليت بذلك، فدع عنك مدحهم وثناءهم، ولا تقبل شيئاً من عطائهم، فإن ذلك يفسد الدين، وتنشأ عنه المداهنة والموافقة في الباطل...).
وصية والد:
وشعر والد بدنو أجله، فجمع أولاده، وأمرهم بإحضار حُزمة من عصيّ، فأحضروها، قال لأحدهم: إكسر يا بني هذه العصي.
فحاول الابن ذلك بكل قواه، فلم يستطع.
فقال له: أعطها أخاك، لعل في قدرته أن يفعل ما لم تفعل.
فحاول الثاني ذلك، فلم يُفلح أيضاً.
وهكذا مرت حزمة العصي من واحد إلى آخر، كل يحاول كسرها فلا يستطيع.
فقال الوالد حينئذ: اعلموا يا بني أن هذا حالكم من القوة إذا اتحدتم، ثم فرق العصي، وناولهم إياها واحدة واحدة، فكسروها بلا عناء.
فقال الوالد: هذه حالكم يا بني إذا تفرقتم، وأنشد:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى
خطبُ ولا تتفرقوا آحادا
تأبى العصيُّ إذا اجتعمن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت أفرادا
وصية حكيم :
وأوصى أحد الحكماء ابنه، وهو يودعه للسفر:
أودعك الرحمن في غربتك
مرتقباً رُحماه في أوْبِتكْ
فلا تُطل حبل النوى إنني
والله أشتاق إلى طلعتك
واجعل وصاتي نُصب عين ولا
تبرحْ مدى الأيام من فكرتك
وامشِ الهُوينا مظهراً عفةً
وابغِ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيث العيُّ مستقبحٌ
واصُمت بحيث الخيرُ في سكتتك
ولِجْ على رزقك من بابه
واقصدْ له ما عشت في بُكرتك
ووفِ كّلاً حقه ولتكنْ
تكسرْ عند الفخر من حدتك
وحيثما خيمت فاقصد إلى
صحبة من ترجوه في نُصرتك
فللزوايا وثبةٌ مالها
إلا الذي تدخر من عُدتك
ولا تقلْ: أسلمُ لي وحدتي
فقد تقاسي الذلّ في وحدتك
واعتبر الناس بألفاظهم
واصحب أخاً يرغب في صحبتك
كم من صديق مظهرٍ نصحه
وفكرهُ وقفٌ على عثرتك
إياك أن تقربه إنه
عَونٌ مع الدهر على كربتك
والشرًّ مهما استطعت لا تأتهِ
فإنه عَوْدٌ على مُهجتك
وصية أم :
وأوصت أمٌ ابنتها عند زواجها فقالت:
( يا بنيتي إن النصيحة لو تركت اعتماداً على فهم وذكاء وأدب، لتركتها اعتماداً على فهمك وذكائك وأدبك، ولكن ليس الأمر كذلك.
أي بنيتي ليس زواج البنات ناشئاً عن احتياج وضرورة، فلو أمكن تركه لامرأة ذات ثروة وقدر، لكنت أول من استغنى عن ذلك كله وتركه، ولكن ليس الأمر كذلك.
فإن البارئ تعالى، خلق الرجال للنساء، كما خلق النساء للرجال.
يا بنيتي إنك تفارقين بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، وكوني له أرضاً ذليلة، يكن لك سماء ظليلة.
وعليك بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وتفقدي موضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وتفقدي وقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع مُلهب، وتنغيص النوم مُغضب. وأحسني رعاية ماله، وحشمه وعياله، فملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير.
ولا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، فإنك إن خالفت أمره، أوغرت صدره - أي ملأته غيظاً - وإن أفشيت سره، لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهموماً، والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً مسروراً.
واعلمي أنك كلما أظهرت له التعظيم والاحترام، قابلك باللطف والإكرام، وبقدر طاعتك لأمره، تجتني ثمار ألطافه وعواطفه).