قدّر الإسلام أنوثة المرأة واعتبرها - لهذا الوصف - عنصراً مكملاً للرجل، كما أنه مكمل لها، فليس أحدهما خصماً للآخر، ولا نداً له ولا منافساً، بل عوناً له على كمال شخصه ونوعه.
فقد اقتضت سُنة الله في المخلوقات، أن يكون الازدواج من خصائصها فنرى الذكورة والأنوثة في عالم الإنسان والحيوان والنبات، ونرى الموجب والسالب في عالم الجمادات - من الكهرباء والمغناطيس - وغيرها حتى الذرة فيها الشحنة الكهربائية الموجبة، والشحنة السالبة (الإلكترون والبروتون).
وإلى ذلك أشار القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً قال: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) .
فالذكر والأنثى كالعلبة وغطائها، والشيء ولازمه، لا غنى لأحدهما عن الآخر.
ومنذ خلق الله النفس البشرية الأولى - آدم - خلق منها زوجها - حواء - ليسكن إليها ولم يتركه وحده، حتى لو كانت هذه الوحدة في الجنة، وكان الخطاب الإلهي لهما معاً أمراً ونهياً: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغداً حيثُ شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) . (البقرة 35).
فالمرأة غير الرجل، لأنها تكمله ويكملها، والشيء لا يكمل نفسه، والقرآن الكريم يقول: (وليس الذكر كالأنثى) . (آل عمران 36) .
كما أن الموجب غير السالب، والسالب غير الموجب.
ومع هذا لم تُخلق لتكون ندّاً له ولا خصماً، بل هي منه وله: (بعضكم من بعض) . (النساء 25) . (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ). (النحل 72) .
واقتضت حكمة الله أن يكون التكوين العضوي والنفسي للمرأة يحمل عناصر الجاذبية للرجل وقابلية الانجذاب إليه.
وركّب الله في كل من الرجل والمرأة شهوة غريزية فطرية قوية تسوقهما إلى التجاذب واللقاء، حتى تستمر الحياة ويبقى النوع.
ومن ثمّ يرفض الإسلام كل نظام يصادم هذه الفطرة ويعطلها كنظام الرهبنة ، ولكنه حظر كل تصريف لهذه الطاقة على غير ما شرعه الله ورضيه من الزواج الذي هو أساس الأسرة، ولهذا حرّم الزنى، كما حرّمته الأديان السماوية كلها، ونهى عن الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، وسدّ كل منفذ يؤدي إلى هذه الفواحش، حماية للرجل والمرأة من عوامل الإثارة وبواعث الفتنة والإغراء.
وعلى هذا الأساس من النظر إلى فطرة المرأة، وما يجب أن تكون عليه في علاقتها بالرجل، يعامل الإسلام المرأة، ويقيم كل نظمه وتوجيهاته وأحكامه.
إنه يرعى أنوثتها الفطرية، ويعترف بمقتضياتها، فلا يكبتها ولا يصادرها، ولكنه يحول بينها وبين الطريق الذي يؤدي إلى ابتذالها، وامتهان أنوثتها، ويحميها من ذئاب البشر، وكلاب الصيد، التي تتخطف بنات حواء، لتنهشها نهشاً، وتستمتع بها لحماً، ثم ترميها عظماً.
ونستطيع أن نحدد موقف الإسلام من أنوثة المرأة فيما يلي:
1. إنه يحافظ على أنوثتها، حتى تظل ينبوعاً لعواطف الحنان والرقة والجمال، ولهذا أحلّ لها بعض ما حرّم على الرجال، بما تقتضيه طبيعة الأنثى ووظيفتها، كالتحلي بالذهب، ولبس الحرير الخالص، فقد جاء في الحديث: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" (رواه ابن ماجه).
كما أنه حرَّم عليها كل ما يجافي هذه الأنوثة، من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها، فنهى أن تلبس المرأة لبسة الرجل، كما نهى الرجل أن يلبس لبسة المرأة، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، مثلما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وفي الحديث: " ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث" (رواه أحمد والنسائي والحاكم).
2. وهو يحمي هذه الأنوثة، ويرعى ضعفها، فيجعلها أبداً في ظل رجل، مكفولة النفقات، مكفية الحاجات، فهي في كنف أبيها أو زوجها أو أولادها أو إخوتها، يجب عليهم نفقتها، وفق شريعة الإسلام، فلا تضطرها الحاجة إلى الخوض في لجج الحياة وصراعها، ومزاحمة الرجال بالمناكب.
3. وهو يحافظ على خلقها وحيائها، ويحرص على سمعتها وكرامتها، ويصون عفافها من خواطر السّوء، وألسنة السّوء - فضلاً عن أيدي السوء - أن تمتد إليها.
ولهذا يوجب الإسلام عليها:
أ . الغض من بصرها، والمحافظة على عفتها ونظافتها: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) . (النور 31).
ب . الاحتشام والتستر في لباسها وزينتها، دون إعنات لها، ولا تضييق عليها: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن) . (النور 31) ، وقد فُسّر: (ما ظهر منها) بالكحل والخاتم، وبالوجه والكفين، وزاد بعضهم : القدمين.
جـ. ألاّ تبدي زينتها الخفية - كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين - إلا لزوجها ومحارمها الذين يشق عليها أن تستتتر منهم استتارها من الأجانب:
(ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) . (النور 31) .
د. أن تتوقر في مشيتها وكلامها: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) النور (31) ( فلا تخضعن بالقول فيطمعَ الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً) (الأحزاب 32) ، فليست ممنوعة من الكلام، وليس صوتها عورة، بل هي مأمورة أن تقول قولاً معروفاً.
هـ. أن تتجنب كل ما يجذب انتباه الرجل إليها، ويغريه به، من تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة، فهذا ليس من خُلُق المرأة العفيفة، وفي الحديث:
[ أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت من بيتها، ليشم الناس ريحها فهي زانية] (رواه أبو داود وغيره) أي تفعل فعلها، وإن لم تكن كذلك، فيجب أن تتنزه عن هذا السلوك.
و. أن تمتنع عن الخلوة بأي رجل ليس زوجها ولا محرماً لها، صوناً لنفسها ونفسه من هواجس الإثم، ولسمعتها من ألسنة الزور: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" . (متفق عليه).
ز. ألا تختلط بمجتمع الرجال الأجانب إلا لحاجة داعية، ومصلحة معتبرة، وبالقدر اللازم، كالصلاة في المسجد، وطلب العلم، والتعاون على البر والتقوى، بحيث لا تُحرم المرأة من المشاركة في خدمة مجتمعها، ولا تنسى الحدود الشرعية في لقاء الرجال.
إن الإسلام بهذه الأحكام يحمي أنوثة المرأة من أنياب المفترسين من ناحية، ويحفظ عليها حياءها وعفافها بالبُعد عن عوامل الانحراف والتضليل من ناحية ثانية، ويصون عرضها من ألسنة المفترسين والمرجفين من ناحية ثالثة، وهو - مع هذا كله - يحافظ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق، ومن الهزات والاضطرابات، نتيجة لجموح الخيال، وانشغال القلب، وتوزع عواطفه بين شتى المثيرات والمهيجات.
وهو أيضاً - بهذه الأحكام والتشريعات - يحمي الرجل من عوامل الانحراف والقلق، ويحمي المجتمع كله من عوامل السقوط والانحلال.
- الكاتب:
د.يوسف القرضاوي - التصنيف:
معاً .. نربي ونعلم