قال تعالى : ( الرجال قّوامون على النسـاء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبمـا أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضـاجع واضربوهن فإن أطعنـكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً * وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيرا) .
إن الذي خلق هذا الإنسان جعل من فطرته الزوجية ، شأنه شأن كل شيء خلقه في هذا الوجود : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) . الذاريات:49
ثم شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها ) . النساء:1
وأراد بالتقاء شطري النفس الواحدة بعد ذلك فيما أراد ، أن يكون هذا اللقـاء سكناً للنفس ، وهدوءًا للعصب ، وطمأنينة للروح ، وراحة للجسد… ثم ستراً وإحصاناً وصيانة… ثم مزرعة للنسل وامتداداً للحياة ، مع ترقيـها المستمر في رعاية المحضن الساكن الهادىء المطمئن المستور المصون :(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) . الروم:21 ، ( هـن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) . البقرة:187 ، ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثـكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله ) . البقرة:223 ، (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) . التحريم:6 ، (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) . الطور:21.
ومن تساوى شطر النفس الواحدة في موقفها من الله ، ومن تكريمه للإنسان ، كان ذلك التكريم للمرأة ، وتلك المساواة في حقوق الأجر والثواب عند الله تعالى ، وفي حقوق التملك والإرث ، وفي استقلال الشخصية المدنية .
لقد خلق الناس ذكراً وأنثى، زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع ، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل ، وهي وظائف ضخمة أولاً، وخطيرة ثانياً ، وليس هينة ولا يسيرة ، بحيث تؤدى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى، فكان عدلاً كذلك أن ينوط بالشطر الثاني _ وهو الرجل _ توفير الحاجات الضرورية ، وتوفير الحماية كذلك للأنثى ، كي تتفرغ لوظيفتهـا الخطيرة ، ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل .. ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد وكان عـدلاً كذلك أن يمنح الرجـل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعيـنه على أداء وظائفه هذه ، وأن تمنح المرأة في تكوينهـا العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك .
وكان هذا فعلاً … ولا يظلم ربك أحداً …
ومن ثم زُودت المـرأة فيما زُودّت به من الخصـائص بالرقة والعطف ، وسرعة الإنفعال ، والإستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير ؛ لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها حتى في الفرد الواحد لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه ، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية ، لتسهل تلبيتهـا فوراً ،
وفيما يشبه أن يكون قسراً ، ولكنه قسر داخـلي غير مفروض من الخـارج ، ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان ، كذلك لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى مهما يكن فيها من المشقة والتضحية ، صنع الله الـذي أتقن كل شيء .
وهذه الخصائص ليست سطحية ، بل هي غائـرة في التكوين العضوي والعصبي والعقلي والنفسي للمرأة ، بل يقول كبار العلماء المختصين : إنها غائرة في تكوين كل خلية ، لأنها عميقة في تكوين الخلية الأولى ، التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين ، بكل خصائصه الأساسية !!
وكذلك زُوِّد الرجل فيما زُوّد به من الخصائص بالخشونة والصلابة وبطء الانفعال والاستجابة ، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة ، لأن وظائفـه كلها ، بداية من الصيد الذي كان يمارسه في أول عهده بالحياة ، إلى القتال الذي يمارسه دائماً لحماية الزوج والأطفـال ، إلى تدبير المعاش ، إلى سـائر تكاليفه في
الحياة ؛ لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام ، وإعمال الفكر والبطء في الاستجابة بوجه عام ! وكلها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها .
وهذه الخصائص تجعله أقدر على القوامة ، وأفضل في مجالهـا … كما أن تكليفه بالإنفاق وهو فرع من توزيع الاختصاصات يجعله بدوره أولى بالقوامة ، لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة ، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة وظيفته فيها .
وهذان هما العنصران اللذان أبرزهما النص القرآني ، وهو يقرر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي قوامة لها أسبابها من التكوين والاستعداد ، ولها أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات ، ولها أسبابها من العدالة في التوزيع من ناحية، وتكليف كل شطر في هذا التوزيع بالجانب الميسر له ، والذي هو معـان عليه من الفطرة .
وأفضليته في مكانها ، في الاستعداد للقوامة والدربة عليها ، والنهوض بها بأسبابها، لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة كسائر المؤسسات ، الأقل شأناً ، والأرخص سعراً ولأن أحد شطري النفس البشرية مهيأ لها ، معان عليها ، مكلف تكاليفها ، وأحد الشطرين غير مهيأ لها ، ولا معان عليها … ومن الظلم أن يحملها ويحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخـرى ، وإذا هو هُيئ لهـا بالاستعدادات الكامنـة ، ودُرّب عليها بالتدريب العلمي والعملي ، فسد استعداده للقيام بالوظيفة الأخرى ، وظيفة الأمومة … لأن لها هي الأخرى مقتضياتهـا واستعداداتهـا ، وفي مقدمتها سرعة الإنفعال ، وقرب الاستجـابة ، فوق الاستعدادات الغـائرة في التكوين العضوي والعصبي ، وآثارها في السلوك والاستجابة .
إنها مسائل خطيرة ، أخطر من أن تتحكم فيها أهواء البشر ، وأخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء .. وحين تركت لهم ولأهوائهم في الجاهليات القديمة والجاهليات الحديثة ، هددت البشرية تهديداً خطيراً في وجودها ذاته ، وفي بقـاء الخصائص الإنسانية ، التي تقوم بها الحياة الإنسانية وتتميز .
ولعل من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها ، ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان ، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لهـا …
لعل من هذه الدلائل : ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد ، ومن تدهور وإنهيار ، ومن تهديد بالدمار والبوار ، في كل مرة خولفت فيها هذه القاعدة ، فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة ، أو اختلطت معالمها ، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة .
ولعل من هذه الدلائل : توقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأسرة ، وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلة السعادة ، عندما تعيش مع رجل ، لا يزاول مهام القوامة ، وتنقصه صفاتها اللازمة ، فيكل إليها هي القوامة ، وهي حقيقة ملحوظة تسلم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام!
ولعل من هذه الدلائل أيضا : أن الأطفال الذين ينشئون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب ، إما لأنه ضعيف الشخصية - بحيث تبرز عليه شخصـية الأم وتسيطر ، وإما لأنه مفقود - لوفاته ، أو لعدم وجود أب شرعي - قلما ينشئون أسوياء ، وقل ألا ينحرفوا إلى شذوذ مـا ، في تكوينهـم العصبي والنفسي ، وفي سلوكهم العملي والخلقي .