الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
كان المعتضد بالله جالسـًا يشاهد الصناع ، فرأى فيهم واحدًا شديد المرح ، يعمل ضعف ما يعمل الصناع ، ويصعد مرقاتين مرقاتين ؛ فأنكر أمره ، فأحضره وسأله عن أمره ، فلجلج ، فقال المعتضد لبعض جلسائه : أي شيء يقع لكم في أمره ؟ قالوا : ومن هذا حتى تصرف فكرك إليه ؟ لعله لا عيال له ، وهو خالي القلب ، فقال : قد خمنت في أمره تخمينـًا ما أحسبه باطلاً ؛ إما أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة ، أو يكون لصـًا يتستر بالعمل ! فدعا به ، واستدعى الجلاد فضربه وحلف له إن لم يصدُقه أن يضرب عنقه ، فقال : لي الأمان ؟ قال : نعم إلا فيما يجب عليك بالشرع ، فظن أن قد أمّنه ، فقال : قد كنت أعمل بالأجر ، فاجتاز رجل في وسطه حزام ، فجاء إلى مكان ، فجلس وهو لا يعلم مكاني ، فحل الحزام ، وأخرج منه دنانير ، فتأملته ، وإذا كله دنانير ، فباغتُّه وكتفته وشددت فاه ، وأخذت الحزام ، وحملته على كتفي ، وطرحته في حفرة ، وطينته ، فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه فطرحتها في دجلة ، فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزله ، وإذا على الحزام مكتوب : فلان بن فلان ، فنادى في البلد باسمه ، فجاءت امرأة فقالت : هذا زوجي ، ولي منه هذا الطفل ، خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار وغاب إلى الآن ، فسلم المعتضد الدنانير إلى امرأته وأمرها أن تعتد ، وأمر بضرب عنق ذلك الرجل .