انقلاب الموازين واختلال القيم سمة بارزة من سمات هذا الزمان الذي نحياه، وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى قد قال في زمانه: " إذا رأيتم شيئا مستقيما فتعجبوا".. فإن هذه المقولة تكاد تشمل جميع مناحي حياتنا .
وهذا الخلل نكرسه نحن من خلال مؤسساتنا بمختلف أنواعها وخاصة المؤسسة الإعلامية التي استطاعت أن تقلب الموازين وتعيد صياغة العقول وتقييم النفوس: فالأقزام يتعملقون، والهوامش يُشار إليهم بالبنان، والتوافه هم الأكثر جاذبية ويسيل لعاب الأمنيات نحوهم، وفي مقابل ذلك لا نرى أثرًا للعمالقة ؛ وإذا ما ذُكروا فإما تهمّش أدوارهم أو تشوه صورتهم، وما تزال صورة المعلمين وعلماء الدين على شاشات التلفاز أو السينما تثير الاشمئزاز والسخرية، فذهبت هيبة الدين واللغة والتقاليد، وتحطمت الأخلاق والقيم بتحطيم هذه الشخصيات وتشويهها ..
لا تزال صورة اللاعب الذي أحرز ميدالية أوليمبية فمنحته دولته مليون جنيه ماثلة أمامي، في الوقت الذي لا يجد فيه العالم وطالب العلم في تلك الدولة ما يسد به حاجاته الأساسية.. ولا تزال أسهم لاعبي الكرة والممثلون والبطالون في بلادنا في ارتفاع وأسهم أهل العلم والمثمرون في انخفاض نتيجة لهذه التوجهات الفاسدة حتى أصبحت همة كل شاب أن يكون لاعبا أو فنانا ممثلا كما يسمونه..
الحليم حيرانا
إنه واقع أليم لكنه واقع نعيشه جعل هذا الشاعر المكلوم يكتب تحت عنوان "الحليم حيرانا" وما أصدقه من عنوان يصيب كبد الحقيقة فيقول:
ســـل الذين فهمـــــــوا.. ... ..أما لديكـــم حكـــــم
يحكـم في أمر لديـــــــه.. ... ..المبصرون قد عمــوا
قالــــــوا لدينا حكـــــــم.. ... ..مــــــدرب معلــــــم
إذا عرضت الأمـــــــر يــأ.. ... ..تيك الجواب المحكم
.. ... ..
يا سيـــدي يا حكـــــــم.. ... ..هذا سؤالي المبهم
جاري سعيـــــــد عالــم.. ... ..مخضرم معلـــــــــم
موسوعــــة في كل فن.. ... ..بالعلوم مغــــــــــرم
وعقلـــــــه جوهــــــــرة.. ... ..بل للذكاء منجــــــم
إبداعـــــــه في كتـــــب.. ... ..بها يضاء المعتــــــم
وفكـــــــرة رائعــــــــــــة.. ... ..تهفو إليهــــــا الأمم
وإن أردت المرشـــــد الـ.. ... ..داعي فــــذاك العلم
كم علم الأجيـــــــال كم.. ... ..من علمه قد غنمـوا
علــــومـــــــه كنـــــــوزه.. ... ..لكن جاري معـــــدم
يعيش في ضيـــــــق توا.. ... ..رت في سواه النعم
كأنمـــا الأرزاق صيـــــــد.. ... ..والتعيس مُحـــــــرِم
يسعـــى لها مجاهـــــدًا.. ... ..لكنهــــــا تنهـــــــزم
.. ... ..
لكـــــــن جاري سالمــــا.. ... ..أحوالــه تبتســـــــم
كأنما الأرزاق حــــــــــــو.. ... ..ل بابــه تختصـــــــم
تسعى له وما سعــــــى.. ... ..بل إنهـا تزدحـــــــم
لأنه بالكـــــــرة الشمــــا.. ... ..ء صـــــــبٌّ معـــــرم
أسطورة النادي وفي النـ.. ... ..ـادي تشــــع الأنجم
تأتـي المبـــــــاراة فيـــــأ.. ... ..تي للسخــــاء موعد
وإن يحقـــــــق هـــــــدفًا.. ... ..تهطل عليه النعــــم
سيل الهـــــــدايا دافــــق.. ... ..كأنــــه عرمـــــــــرم
سيـــــــــــارة جديـــــــدة.. ... ..ومبلـــغ محتــــــــرم
كأنما الشيـــــــكات مــوج.. ... ..حولـــــه يلتطـــــــم
أو أنهـا من حـــــــولـــــــه.. ... ..طود عـــلا أو هـــرم
.. ... ..
وسالـــم لدى سعيـــــــد.. ... ..جاهــل لا يفهــــــم
لكـــــــن ذاك جائــــــــــع.. ... ..وإن هــــذا متخـــــم
وذاك ظمـــــــــــــــآن وذا.. ... ..تهمي عليه الديــــم
الألــــــــــف تأتيـــــــه ولا.. ... ..يأتي لذاك الدرهـــم
فيا عـــــزيزي الحكـــــــم.. ... ..عقلي غزته الظلـــم
حيــران لا يدري فقـــــــل.. ... ..كيف يكون الكـــــــرم
ما سر هذا الحيـــــــف ما.. ... ..تفسيره؟ ما الحكـم؟
.. ... ..
غمغــــــم قاضينـــــــا وقد.. ... ..غامت لديه القيــــم
وصــــــاح من أعمـــــــاقه.. ... ..يا ليت رأسي قـــدم
لقد أصاب هؤلاء الماكرون الشباب في مقتل حينما غيّبوا قدوتهم التي ينبغي لهم أن يقتدوا بها، بل وشوهوها ومسخوها فأصبحت مثار سخرية وتندّر .. فإلى من يلجأ الشباب إذن ليكون قدوته ؟
فهل ياترى تنصلح أحوال أمتنا وتعود إلى تصحيح المفاهيم وضبط الموازين وإعادة القيم المفقودة .. أم نقول كما قال الشاعر : ياليت رأسي قدم؟!