الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعزل مباح إذا كان بإذن الزوجة كما قال أهل العلم، وزواج المسيار مباح أيضا إذا توفرت فيه شروط النكاح وخلا من موانعه كتحديد أجل ينتهي عنده، وبناء عليه فالاعتراض في غير محله هذا من حيث الإجمال.
وأما التفصيل فهو أنك قد بنيت اعتراضك على أمرين هما أن العزل عن الزوجة حرام مطلقا وأن زواج المسيار حرام أيضا لأنه زواج متعة واستدللت على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله هو ولا صحابته الكرام، واستدللت أيضا بحديث الودود الولود، ويجاب عن ذلك بأن العزل مباح إذا كان بإذن الزوجة ورضاها، وقد عزل الصحابة رضوان الله عليهم حتى أن جابر رضي الله عنه كان يقول: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. متفق عليه. وقد فصلنا القول فيه في فتاوى كثيرة، منها الفتوى رقم: 31968، وذكرنا فيها أن المذاهب الأربعة على عدم حرمة العزل، وانظر أيضا الفتوى رقم: 1803، والفتوى رقم: 58496.
وقد وردت أحاديث تفيد منع العزل وأحاديث بجوازه، وقد جمع العلماء بينهما. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفي الكراهة هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث. اهـ
وأما زوج المسيار فهو مباح أيضا إذا توفرت فيه شروط النكاح الصحيح وأركانه وهو ليس نكاح متعة كما تقول ولا يؤثر فيه تنازل الزوجة عن بعض حقوقها للزوج، فقد تنازلت سودة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلتها لعائشة لتبقى في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ولما تعلم من حبه لعائشة، وقد بينا الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة في الفتوى رقم: 22402، وأما عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم له أو صحابته الكرام فلا يدل على تحريمه فهم لم يفعلوا كل مباح، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ضابط النكاح الشرعي الصحيح وشروطه، فمهما توفرت في أي نكاح فهو نكاح صحيح وفق السنة والشريعة المطهرة وإن لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل مثله أو صحابته رضوان الله عليهم.
وأما حديث: تزوجوا الودود الولود إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة. رواه أحمد وأبو داود والبيهقي عن أنس بن مالك. فهو للإرشاد والترغيب في طلب الولد وكثرة النسل لتكثير سواد أمته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لا للوجوب، إذ يجوز نكاح العقيم باتفاق، وبناء عليه فالاعتراض في غير محله، وينبغي التثبت والنظر في كلام أهل العلم قبل الطعن في المسائل ورد الأحكام.. وننبهك إلى أننا ذكرنا في الفتوى المشار إليها أن العزل لا يعتمد عليه في نفي الولد وإنما إذا انضمت إليه قرائن أخرى تعضده وتقويه كما بينا.
والله أعلم.