الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أيها السائل الكريم أن داءك هو الوسوسة، وقد ذكرنا لك حكمها ووجوب الإعراض عنها لئلا تؤدي بك إلى ما لا تحمد عاقبته من الهم وتنغيص العيش، فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له داء نافع، وهو الإعراض عنه جملة كافية -وإن كان في النفس من التردد ما كان- فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها.
وأنت الآن ممن يصغي إليها، فأعرض عن ذلك لأن جملة ما ذكرته في سؤالك هو من قبيلها، وليس عليك أن تحترز من الكنايات لأنها لا يترتب عليها شيء دون قصد الطلاق بها، وكذلك الإخبار وحكاية الأقوال كأن تقول لغيرك ممن تعلمه مثلا إن قلت لزوجتي أنت طالق فإنها تطلق، فهذا ليس طلاقا لأنه حكاية وافتراض، ومثل ذلك ما شاكله من الحكايات والأخبار والكنايات التي لم يقصد بها إيقاع الطلاق، وكذا ما توعدتها به أو ذكرت لصديقك أو غيره أنك ستفعله من طلاقها ولم تفعله.
وبالجملة فقد ظهر لنا من سؤالك أنك في عناء شديد بسبب هذه الوسوسة فاتق الله في نفسك، واشغلها بما ينفعك عند الله تعالى، ولا تتبع خطوات الشيطان، وننصحك بالكف عن هذه الوساوس وعدم التفكير في ما مضى منها أو فيما يستقبل لسوء عاقبته عليك، ومن ذلك ما أنت فيه الآن من الوساوس والأوهام، وإذا استمر بك فاعرض نفسك على بعض الدعاة والمشايخ لمعالجتك ونصحك بما ينبغي وبيان المسألة لك بمزيد من الإيضاح، ونسأل المولى جل وعلا أن يمن عليك بالصحة والعافية، إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والله أعلم.