الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأصل في الطيب بجميع أشكاله الطهارة، لكنه إذا خلط بشيء من المسكرات قبل أن يستحيل عن صفة الإسكار فإنه يصير نجساً لأن المسكر نجس قليله وكثيره عند الجمهور، ولكن ما دمت لم تعلم أن العطور التي تستعملها وتشتريها وتبيعها مخلوطة بالكحول قبل أن يستحيل عن صفة الإسكار فلا حرج عليك في استعماله ولا بيعه ولا داعي للشكوك، فإذا تحققت من أن بعضه أو نوعية منه ممزوجة بشيء من الكحول قبل أن يستحيل، فلا يجوز شراء ذلك ولا بيعه ولا استعماله، وعليك أن تكف عن بيعه واستعماله، وما مضى من الاستعمال والبيع قبل أن تعلم بتحريمه لا شيء عليك فيه إن شاء الله تعالى، كما أنك لا تطالب بقضاء ما مضى من الصلوات التي كنت تصليها وأنت متلبس ببعض هذه العطورات ولو افترضنا نجاستها، وانظر الفتوى رقم: 23147، والفتوى رقم: 45280.
هذا كله بناء على نجاسة الخمر وهو قول الجمهور، أما على القول بعدم نجاستها فلا حرج في استعمال هذه العطورات في الملابس ولا يحرم شراؤها ولا بيعها، وهذا القول مال إليه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى وأيده واستدل له، فقد قال في الشرح الممتع على الزاد المستقنع بعد أن ذكر أن جمهور العلماء على نجاسة الخمر وهو اختيار شيخ الإسلام وذكر أدلتهم، قال: والصحيح أنها ليست بنجسة والدليل على ذلك ما يلي:
1- حديث أنس رضي الله عنه أن الخمر لما حرمت خرج الناس وأراقوها في الأسواق، وأسواق المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً للنجاسة.
2- ما رواه مسلم: أن رجلا جاء براوية خمر فأهداها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما علمت أنها حرمت. فساره رجل أن بعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. ففك الرجل الراوية ثم أراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له اغسلها وهذا بعد التحريم.
3- أن الأصل الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ولا دليل. إلى أن قال: فإن قيل كيف تخالف الجمهور قلنا: الدلالة بالكتاب، والسنة، والإجماع، إذا ثبت، ولا إجماع هنا. انتهى بحذف قليل.
والله أعلم.