الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الظاهرة التي يسأل عنها السائل تعرف في الفقه الإسلامي بهبة الثواب أي الهبة بقصد العوض، جاء في تعريفها من شرح حدود ابن عرفة ما يلي: هبة الثواب.. عطية قصد بها عوض مالي.. وحكمها حكم البيع. اهـ.
وإذا كان الواهب اشترط العوض أو جرى به العرف كما هو واضح في عرف الأخت السائلة فإن هذه الهبة بيع، وإن سميت هبة، فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء، أما حكم هبة الثواب فهو الجواز في الجملة، وبالنسبة للصورة المعروضة والتي تؤدي إلى الربا فإنها غير جائزة إلا إذا اجتنب المحذور، والمحذور هنا هو بيع مال بمال من جنسه بدون تماثل ولا تقابض، فيجرى في هذه الهبة ربا الفضل والنسيئة معاً، وإن اختلف الجنسان بأن وهبت ريالات وعوضتها دولارات مثلاً بأنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، واجتناب المحذور هنا بأن يرد الموهوب له بدل النقود عرضاً بقيمة تلك النقود، جاء في فتح العلي المالك: ما قولكم في رجل يواسي آخر في كفرح بحبوب أو مواش أو دراهم وذا يسمى في عرفنا نقوطاً فإذا حدث عند المواسي موجب يرد الآخر له مثل الذي واساه به أو أزيد أو أنقص، فهل يدخل ذلك الربا...؟ .. نعم يدخل ذلك ربا النساء والفضل إن اتحدا جنساً واختلفا قدراً وهما ربويان، وإنما يقضى فيها بالعروض التي فيها وفاء بقيمة الموهوب..
وسئل سيدي علي الأجهوري عما يفعله بعض الناس من أنهم يهادون بعضهم ويمتنع المهدى له من رد الإناء فارغاً ويرسله بشيء وإن لم يفعل ذلك حصل في نفس المهدي شيء، فهل يجوز ذلك أم يمتنع ذلك؟ فأجاب: وينبغي له أن يتحفظ من هذه العادة المذمومة التي أحدثت... وكان سبباً لترك المهاداة بينهما، ولسان العلم يمنع من ذلك كله لأنه يدخله بيع الطعام بالطعام غير يد بيد، ويدخله أيضاً بيع الطعام بالطعام متفاضلاً ويدخل الجهالة... فإن قيل ليس هذا من باب البياعات وإنما هو من الهدايا وقد سومح فيها، فالجواب: هو مسلم لومشوا فيه على مقتضى الهدايا الشرعية لكنهم يفعلون ضد ذلك لطلبهم العوض، فإن الدافع يتشوف له والمدفوع إليه يحرص على المكافأة... انتهى.
والمقصود أنه إذا كان الأمر كما ذكرت السائلة فإنها تتحاشى الدخول في مثل هذا؟
والله أعلم.