الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان المبلغ المحكوم به ليس للمحكوم له في نفس الأمر، وإنما رضي به المحكوم عليه تفادياً للنزاع أو استجابة لطلب الجلسة العرفية، فإن المحكوم له لا يحل له أكل ذلك المبلغ ولا إنفاقه في أي وجه من وجوه الإنفاق، ذلك أن الجلسة العرفية لا تخلو من أن تكون جماعة حكمها الطرفان، أو جماعة أرادت من تلقاء نفسها أن تصلح بين الطرفين، فإن كان الأول فإن المحكم يعتبر بمنزلة القاضي، وحكم القاضي قد صرح أهل العلم بأنه يرتفع به الخلاف، ولكنه لا يُحل للظالم ما حُكم له به، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: ورفع الخلاف لا أحل حراماً.
وإن كان الثاني فإن الصلح هو سيد الأحكام، وينقطع به النزاع ولكنه لا يبيح للمصالح ما صولح به إن كان لا يستحقه فيما بينه وبين الله، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: ولا يحل للظالم. وقال الخرشي شارحاً: أي لا يحل المصالح به للظالم في الباطن بل ذمته مشغولة للمظلوم فيما بينه وبين الله.. وعليه فثواب هذا المبلغ لا يكون لمن أخذه بغير حق، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
وأما الثاني فإنه مأجور إن شاء الله تعالى، ولكننا لا نستطيع الجزم بأن له أجر هذا الإنفاق، وإنما نعلم أنه إن كان قدم هذا المبلغ ابتغاء مرضاة الله، أو صبر بما حكم عليه به رجاء الأجر من الله، كان مأجوراً عند الله، قال الله تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {الأنفال:60}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها. متفق عليه.
والله أعلم.