الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك على تواصلك معنا ومتابعتك واهتمامك، سائلين الله تعالى أن يجعلنا وإياك من المتواصين بالحق والمتواصين بالصبر .
وأما في الجواب عما سألت عنه فنفيدك أنه لا مانع من أن يحادث الرجل المرأة لحاجة إن أمنت الفتنة كأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو تعليم، أو بيع وشراء، من غير مزاح معها ان كانت شابة ولا خضوع بالقول ولا خلوة ولا إطلاق للنظر لما يحرم، وأن تكون المرأة متحجبة بالحجاب الشرعي الساتر.
قال ابن بطال عن المهلب قال: سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة. اهـ.
وذهب الجمهور إلى جواز التسليم على العجائز دون الشابات لخوف الفتنة بحق الشابات وانعدامها في العجائز. قال النووي: وأما الأجنبي فإن كانت عجوزا لا تشتهى استحب له السلام عليها واستحب لها السلام عليه، ومن سلم منهما لزم الآخر رد السلام عليه، وإن كانت شابة أو عجوزا تشتهى لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه، ومن سلم منهما لم يستحق جوابا.
وقال العلامة الخادمي رحمه الله في كتابه: بريقة محمودية وهو حنفي قال: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة.
وقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: وإن سلم الرجل عليها ـ أي على الشابة ـ لم ترده دفعا للمفسدة. ونص فقهاء الشافعية على حرمة ابتداء الشابة الرجل الأجنبي بالسلام، وكذا ردها عليه، وكرهوا ابتداء الرجل لها بالسلام، وعللوا التفريق بينها وبينه أن ردها عليه أو ابتداءها له مطمع له فيها اهـ
وهذا في مجرد إلقاء السلام أو رده، والكلام الذي لا ريبة فيه.
وأما ضحك ومزاح الأجنبي مع المرأة الشابة فهو من الأمور المحرمة لما فيه من إحداث الفتنة والخضوع بالقول، وقد قال الله سبحانه وتعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفا {الأحزاب:32}، قال القرطبي في تفسيره: أي لا تلن القول، أمرهن الله تعالى أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال. انتهى.
وقد نص بعض أهل العلم على أن تضاحك الأجنبية مع الأجنبي حرام يوجب تعزيرا،كما نص عليه صاحب مواهب الجليل بقوله: ومن تغامز مع أجنبية أو تضاحك معها ضربا عشرين. انتهى.
ولا شك أن المزاح بين الشباب والشابات من أكبر دواعي الفتنة، وقد روى الشيخان واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
فلا بد في التعامل مع بنات العم من التزام الجميع بآداب الإسلام من الحجاب الكامل بالنسبة للنساء، وعدم الخضوع بالقول عند الحديث مع الرجال، وغير ذلك من حركات الريبة والإغراء، تجنبا لحصول الفتنة التي نهى الشارع الحكيم عن كل ما يفضي إليها وبين خطرها كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
فقد حرم الله الخلوة بالأجنبية، ومنع خضوعها بالقول، وأمر بغض البصر، قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{الأحزاب: 32}. وقال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... {النور: 30ـ31}
وأمر بخطاب المرأة من وراء حجاب، فقال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ {الأحزاب: 53}.
وأما المصافحة للأجنبية فهي محرمة، لحديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات. ولا شك في أن المصافحة من المس. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة: "قد بايعتكن كلاما". متفق عليه واللفظ لمسلم.
ومن أهل العلم من قال بجواز مصافحة العجوز التي لا تشتهى، ومثلها الشيخ الكبير، لكن بشرط أمن الفتنة في كل من المتصافحين، قال في المبسوط: فإذا كانت العجوز لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها،... ولأن الحرمة لخوف الفتنة فإذا كانت ممن لا تشتهى فخوف الفتنة معدوم، وكذلك إن كان هو شيخا يأمن على نفسه وعليها فلا بأس بأن يصافحها، وإن كان لا يأمن عليها أن تشتهي لم يحل له أن يصافحها فيعرضها للفتنة، كما لا يحل له ذلك إذا خاف على نفسه. اهـ
واعلم أن أقارب زوج المرأة أجانب يتأكد منعهم عن دخولهم على المرأة ومسها. ففي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. والحمو أخو الزوج أو قريبه. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2412، 23511، 1025.
والله أعلم.