الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطواف الوداع واجب في حق الحاج إذا أراد العود لبلده، ويترتب على تركه دم، كما سبق في الفتوى رقم: 43917 والتوديع المشروع يكون بطواف الوداع، سمي بذلك لكونه توديعاً للبيت العتيق، ففي دقائق أولي النهى للبهوتي الحنبلي: وسمي طواف الوداع لأنه لتوديع البيت. انتهى.
وبعد فعل الطواف المذكور وأداء ركعتين بعده يستحب للمودع الوقوف بالملتزم والاجتهاد في الدعاء بما شاء من خيري الدنيا والآخرة إلى آخر ما يستحب فعله للمودع، قال ابن قدامة في المغني: ويستحب أن يقف المودع في الملتزم، وهو ما بين الركن والباب، فيلتزمه ويلصق به صدره ووجهه، ويدعو الله عز وجل؛ لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: طفت مع عبد الله، فلما جاء دبر الكعبة، قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار. ثم مضى حتى استلم الحجر، فقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجه وذراعيه وكفيه هكذا -وبسطهما بسطا- وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. وعن عبد الرحمن بن صفوان، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، انطلقت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، قد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم، ووضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود.
وقال منصور: سألت مجاهداً: إذا أردت الوداع، كيف أصنع؟ قال: تطوف بالبيت سبعاً، وتصلي ركعتين خلف المقام، ثم تأتي زمزم فتشرب من مائها، ثم تأتي الملتزم ما بين الحجر والباب، فتستلمه ثم تدعو ثم تسأل حاجتك، ثم تستلم الحجر، وتنصرف. انتهى.
وقال النووي في المجموع: قال الشافعي في مختصر كتاب الحج: إذا طاف للوداع استحب أن يأتي الملتزم فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار، فيجعل اليمنى مما يلي الباب، واليسرى مما يلي الحجر الأسود، ويدعو بما أحب من أمر الدنيا والآخرة. والله أعلم. قال أصحابنا: فإن كانت حائضاً استحب أن تأتي بهذا الدعاء على باب المسجد وتمضي والله أعلم. ومما جاء في الملتزم والتزام البيت حديث المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كنت مع عبد الله بن عمرو -يعني ابن العاص- فلما جئنا دبر الكعبة، قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فرفع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، وهذا الإسناد ضعيف، لأن المثنى بن الصباح ضعيف. وعن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود، وهذا الإسناد ضعيف لأن يزيد ضعيف. وعن ابن عباس: أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله عز وجل شيئاً إلا أعطاه إياه. رواه البيهقي موقوفاً على ابن عباس بإسناد ضعيف. والله أعلم.
وقد سبق مرات أن العلماء متفقون على التسامح في الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ونحوها، مما ليس من الأحكام. والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.