الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ابن رشد الجد كان من علماء أهل السنة مالكي المذهب قال فيه الذهبي: الإمام العلامة شيخ المالكية، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد، محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي، تفقه بأبي جعفر بن رزق، وحدَّث عنه، وعن أبي مروان بن سراج، ومحمد بن خيرة، ومحمد بن فرج الطلاعي، والحافظ أبي علي، وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.
قال ابن بشكوال: كان فقيهًا عالمًا حافظًا للفقه، مقدمًا فيه على جميع أهل عصره، عارفًا بالفتوى، بصيرًا بأقوال أئمة المالكية، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم، والبراعة والفهم مع الدين، والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدي الصالح، ومن تصانيفه: كتاب المقدمات لأوائل كتب المدونة، وكتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، واختصار المبسوطة، واختصار مشكل الآثار للطحاوي، سمعنا عليه بعضها، وسار في القضاء بأحسن سيرة وأقوم طريقة، ثم استعفى منه، فأعفي، ونشر كتبه، وكان الناس يعولون عليه ويلجؤون إليه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثير النفع لخاصته، جميل العشرة لهم، بارًا بهم.
عاش سبعين سنة، ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة، وصلى عليه أبو القاسم، وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ فقال: كان أفقه أهل الأندلس، صنف شرح العتبية، فبلغ فيه الغاية.. اهـ.
وأما ابن رشد الحفيد: فقد كان عالمًا من كبار العلماء، وكتابه بداية المجتهد يدل على غزارة علمه، وكونه خبيرًا بالأدلة وأقوال الفقهاء، ولكنه اشتغل بالفلسفة، وكان ينافح عن أقوال الفلاسفة، وهذا هو ما نقمه عليه أهل العلم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان ينفي بعض الصفات، ويميل لمذهب الباطنية.
وقد ترجم له الذهبي في السير فقال: ابن رشد الحفيد العلامة، فيلسوف الوقت، أبو الوليد، محمد بن أبي القاسم أحمد بن شيخ المالكي، أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، مولده قبل موت جده بشهر، سنة عشرين وخمس مائة، عرض الموطأ على أبيه، وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة، وبرع في الفقه، وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول، ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم حتى صار يضرب به المثل في ذلك.
قال الأبار: لم ينشأ بالأندلس مثله كمالًا وعلمًا وفضلاً، وكان متواضعًا، منخفض الجناح، يقال عنه إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وأنه سود في ما ألف، وقيد نحوًا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة، وكان يفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي.
وله من التصانيف: بداية المجتهد في الفقه، والكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول، ومؤلف في العربية. وولي قضاء قرطبة، فحمدت سيرته.
قال ابن أبي أصيبعة في تاريخ الحكماء: كان أوحد في الفقه والخلاف، وبرع في الطب، وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة، وقيل: كان رث البزة، قوي النفس، لازم في الطب أبا جعفر بن هارون مدة، ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة استدعى ابن رشد واحتزمه كثيرًا، ثم نقم عليه بعد يعني لأجل الفلسفة، وله شرح أرجوزة ابن سينا في الطب والمقدمات في الفقه، كتاب الحيوان، كتاب جوامع كتب أرسطوطاليس، شرح كتاب النفس، كتاب في المنطق، كتاب تلخيص الإلهيات لنيقولاوس، كتاب تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو، كتاب تلخيص الاسطقسات لجالينوس، ولخص له كتاب المزاج، وكتاب القوى، وكتاب العلل، وكتاب التعريف، وكتاب الحميات، وكتاب حيلة البرء، ولخص كتاب السماع الطبيعي، وله كتاب تهافت التهافت، وكتاب مناهج الأدلة في الأصول، وكتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، وكتاب شرح القياس لأرسطو، ومقالة في العقل مقالة في القياس، وكتاب الفحص في أمر العقل، والفحص عن مسائل في الشفاء، ومسألة في الزمان، ومقالة فيما يعتقد المشاؤون وما يعتقده المتكلمون في كيفية وجود العالم، ومقالة في نظر الفارابي في المنطق، ونظر أرسطو، ومقالة في اتصال العقل المفارق للإنسان، ومقالة في وجود المادة الأولى، ومقالة في الرد على ابن سينا، ومقالة في المزاج، ومسائل حكمية، ومقالة في حركة الفلك، وكتاب ما خالف فيه الفارابي أرسطو.
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه: لما دخلت البلاد سألت عن ابن رشد، فقيل إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب لا يدخل إليه أحد، لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسًا بداره بمراكش في أواخر سنة أربع. وقال غيره: مات في صفر، وقيل: ربيع الأول سنة خمس. ومات السلطان بعده بشهر. اهـ.
وراجع المزيد في الفتوى التي ذكرت أنك اطلعت عليها، وراجع كلام شيخ الإسلام في منهاج السنة ودرء تعارض العقل والنقل.
والله أعلم.