الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك ويرزقنا وإياك الاستقامة على طريق الخير، ولتعلم أن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لكل مسلم فرض على كل مسلم حسب وسعه واستطاعته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ثم إن قولك: وحتى لا أنفر الناس من الدين دائما أتكلم عن الأمور الأساسية في الإسلام كالتوحيد والصلاة وأهمية اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, والحجاب... إلخ، قد يكون هو الصواب إذا كنت تعلم أو تظن أنك لو تكلمت عن غير ذلك لنفر الناس من الدين وتركوه. لأن القاعدة الشرعية: أنه إذا تعارضت مصلحتان قدمت أعظمهما، وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديا لأشدهما. ثم إن قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة:159}، فقد نص العلماء على أن الكتم الملعون صاحبه على نوعين:
أ- تارة يكون بمجرد إخفاء المعلوم وستره مع مسيس الحاجة إليه وتوفر الداعي إلى إظهاره.
ب- وتارة يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم وكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة وغيره.
وبناء على ما ذكر، فلا نرى أنك داخل في الوعيد الذي جاءت به هذه الآية الكريمة، طالما أن المانع لك من تبيين ما تركت تبيينه هو خشية تنفير الناس من الدين، أو أنك لو تكلمت فلن يستمع إليك أحد.
ونريد أن ننبهك هنا إلى أن مجرد خشية أنك لو تكلمت فلن يستمع إليك أحد، لا ينبغي أن يكون مانعا لك من التبيين، فالهداية بيد الله، وإنما على المسلم أن يبلغ ما أمر بتيليغه ولذلك فإن عليك أن تبين للعامة هنالك والنساء خاصة هذا الحكم الشرعي بأدلته مع توخي الحكمة والأسلوب الأمثل، ولن تعدم بإذن الله تعالى من يستجيب لك .
وفيما يتعلق بسفر المرأة دون محرم، فإنه مما وردت السنة بالتحذير منه. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم... رواه البخاري.
ولكن المرأة إذا سافرت صحبة محرم، ووصلت المحل الذي تقصده في سفرها، فلا يشترط أن يبقى معها ذلك المحرم إذا كان المكان والبيت الذي سوف تسكنه آمنين كما بينا في الفتوى التي أشرت إلى رقمها.
ولكن ما ذكرته عن البلد الذي أنت به من غفلة المسلمين عن أمور دينهم، وكثرة البدع بينهم، وكون البلد غير مسلم، وغير ذلك مما بينته وفصلته تفصيلا، لا يتصور معه أمن المكان والبيت الذي ستسكنه المرأة.
والله أعلم.