الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاعتزال عن الناس دائماً صعب من ناحية الواقع، فلا بد للعبد أن يعمل على وجود ما يحميه من التأثر بمن يضطر لمخالطتهم حتى لا يشاركهم في معاصيهم، بل يؤثر عليهم ويسعى في هدايتهم.
ومن الوسائل المساعدة على هذا البحث عن صحبة صالحة يأمن بها العبد ويستعين بها على أمور دينه ودنياه, ويتعايش معها ويستغني عن مخالطة أهل الفواحش والمعاصي، ويدل لهذا ما في حديث مسلم أن العالم قال لمن قتل مائة نفس لما سأله عن التوبة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. وفي الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود.
وأما ما تلاحظينه من ضعفك وتساهلك في الدين أمام من لا تعرفينهم ومشاركتهم في المعاصي فهو مرض ومظهر من مظاهر ضعف الإيمان، ولعل من أسبابه ضعف استشعار مراقبة الله تعالى عندك, وأنه يراك في كل مكان، فضعف عندك مستوى خشية الرحمن بالغيب فصرت تستحين ممن يعرفك ولا تستحين من الله تعالى، فتذكري أن من صفات المتقين خشيتهم الله بالغيب، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ {الأنبياء:49}.
فاحرصي على علاج نفسك بكثرة التدبر لكتاب الله تعالى والنظر في كتب السنة والرقائق, والتأمل في وعد الله ووعيده, وفي صفات كبريائه وعظمته وجبروته وقهره وإحاطته علماً بما يعمل العباد وما تكن صدورهم وما يعلنون، وحاسبي نفسك كلما حصل تقصير أو انحراف، وجددي التوبة دائماً، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}، ولا تتواني في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك من أعظم ما يربي فيك البعد عن المعاصي. وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31768، 10263، 69465، 26549، 41016.
والله أعلم.