الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فخولة بنت حكيم السلمية كانت ممن وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم وأرجأها النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أرجأ، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم..قال ابن حجر: قوله بنت حكيم أي ابن أمية بن الأوقص السلمية وكانت زوج عثمان بن مظعون وهي من السابقات إلى الإسلام وأمها من بني أمية.
ورواية أحمد في مسنده وفيها أنها من خالاته صلى الله عليه وسلم فيها وهم والصواب أنها خالة سعيد بن المسيب كما في الروايات الأخرى الصحيحة، ومنها ما أخرجه الدارمي في سننه قال: أخبرنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة عن عطاء الخرساني، قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: سألت خالتي خولة بنت حكيم السلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فأمرها أن تغتسل، قال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح. قال إسحاق بن راهويه في مسنده: ما يروى عن خولة بنت حكيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو يعقوب فكانت إحدى خالات سعيد بن المسيب .
فليست خولة من خالاته صلى الله عليه وسلم، وعلى من زعم ذلك أن يثبت خؤولة خولة بنت حكيم السلمية له صلى الله عليه وسلم ، فنسب خولة معلوم ونسب آمنة بنت وهب معلوم أيضا، كل ذلك مسطر في كتب السيرة والتاريخ، قال ابن حبان في الثقات: وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ولم يكن لها أخ فيكون خالا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا عبد يغوث بن وهب، ولكن بنو زهرة يقولون إنهم أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت منهم، وأم آمنة بنت وهب اسمها مرة بنت عبد العزى وأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وأمها برة بنت عوف هؤلاء جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أم أمه.
وأما خولة بنت حكيم فأمها ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس،وهي خالة سعيد بن المسيب فأمه نسيبة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي أخت خولة وهو الذي روى عنها ذلك الحديث، فصرح بعض رواته بتلك الخؤولة كما في رواية الدارمي فحصل وهم من أحد الرواة فقال "إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم " فأدرج تلك العبارة خطأ. وعلى فرض صحتها وأن الراوي قصد معناها فتحمل الرواية على أنه قصد الخؤولة البعيدة، فخولة من أخواله صلى الله عليه وسلم لأبيه نسبا وحينئذ فلا إشكال، وقد رد بعض أهل العلم على هذه الشبهة فقال: اختلف أهل العلم في ذلك فجعل بعضهم أن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة أخرى ليست خولة بنت حكيم ولكن هذا مردود برواية البخاري وغيرها من الروايات التي تبين أن خولة هي بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون، وهي من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس القصد بأنها أخت لوالدته وإنما هي من أخواله لأبيه نسبا. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج7/ص83:
قوله: (وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم) أي لأن أمه آمنة منهم وأقارب الأم أخوال. انتهى
وعلى هذا فخولة ليست من خالات النبي صلى الله عليه وسلم أي أخوات أمه، وإنما هي من أخواله بني زهرة لكنها خالة سعيد بن المسيب الذي روى عنها الحديث. ولسنا بحاجة إلى الإطناب في ذلك لأن المسألة لا يتحاكم فيها إلى العقل وكثرة الحجج وإنما إلى التاريخ والأنساب وقد تبين ذلك.
ولكن ننبهك أيها السائل الكريم إلى أن الخوض مع المضلين في شبههم التي يتلمسونها من القرآن الكريم وكتب السنة المطهرة وشريعتنا الغراء لا ينبغي إلا لمن رسخت قدمه في العلم وقلبه في اليقين والفهم لأن الشبهة قد تقع موقعها منه فلا يستطيع دفعها لقلة علمه أو سوء فهمه وهي واهية تافهة هزيلة ساقطة أوهن من بيت العنكبوت لو عرضت على أهل العلم. قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:83}
وقد بينا خطورة الخوض في الشبه ومجادلة أصحابها دون علم في الفتويين رقم: 6069، 56402.
والله أعلم