الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر أن جميع أسئلتك تتلخص في شيء واحد ، وهو أن الدولة تدعم الأفران بالدقيق بسعر مخفض من أجل أن يباع الخبز للمواطنين بسعر رخيص، وأنت تسأل عما إذا كان يجوز لصاحب الفرن أن يبيع بعض هذا الدقيق في السوق السوداء ليربح منه ما يستعين به على الضرائب والرشاوي ونحو ذلك .. وللجواب على هذا نكون أمام احتمالين :
1- أن تكون كمية الدقيق التي تباع لكل فرن محددة من طرف الدولة وفي هذه الحالة فإنه إذا كان يعلم أنه إذا استخدمها كلها فسيبقى عنده فائض من الخبز زائد على قدر حاجة الناس وسيرمى في القمامات ويخسره صاحب المخبز فإن هذا من الفساد الذي نهى الله عنه في آيات كثيرة قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ {البقرة:205} وقال: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا {الأعراف :56} وقال: وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { القصص:77}، وبالتالي فإن لصاحب الفرن أن ينتفع بهذا الدقيق ببيع أو غيره .
2- أن تكون كمية الدقيق غير محددة من طرف الدولة، وإنما يحددها صاحب الفرن حسب القوة الشرائية لسكان الحي الذي هو به، وفي هذه الحالة ليس له أن يأخذ قدرا زائدا على ما سيخبزه لأن الدولة إذا كانت تدعم هذه المادة لأجل مصلحة الناس وتدفع من أجل ذلك من الأموال العامة وتتعاقد مع أصحاب المخابز على أن يخبزوا كل ما تعطيهم من الدقيق فلا يجوز لأصحاب المخابز أن يخالفوا ما تم التعاقد عليه بينهم وبين الدولة، وإخلالهم بذلك فيه إضرار بالمصلحة العامة وأكل لأموال الناس بغير حق، وإذا قلنا بعدم إباحة بيع هذا الدقيق فلا يجوز دفع هذا المال للقواضي ولا الغرامات أو الضرائب والغاز والمحاماة ... بل على من باع شيئا منه في الحالة التي لا يجوز فيها بيعه أن يصرف ما زاد على رأس ماله في المصالح العامة التي هي الهدف منه في الأصل .
والله أعلم.