الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر أهل العلم أسبابا لتنكير الإناث في الآية الكريمة منها أن التنكير هو الأصل في أسماء الأجناس، ولا يعرف اسم الجنس إلا لمقصد, ولذلك عرف الذكور في الآية؛ لأنهم الجنس المقصود للمخاطبين وعقدوا عليه مناهم. وقيل للتنبيه على قوامتهم وشرفهم لذلك ميزوا بالتعريف، وقيل غير ذلك.
وأما تقديم الإناث في الآية الكريمة فقد ذكروا له حكما منها: أنه توصية بهن والاهتمام برعايتهن لضعفهن, ومنها: إلغاء الأفكار التي كانت سائدة عندهم عن البنات في الجاهلية، ولذلك جاءت السنة بالوصية بهن, وقيل: قدمن في الذكر لأنهن أكثر لتكثير النسل, وقيل: إشارة إلى ما تقدم في ولادتهن من اليُمْن كما في الأثر عن قتادة قال: من يمن المرأة تبكيرها بأنثى، وقيل: قدمت الإناث وأخر الذكور معرفا محافظة على نظم الكلام وفواصله, وقيل غير ذلك.. تجد هذه الأقوال وغيرها في كتب التفسير.
وقال الألوسي في روح المعاني: لما ذكر تعالى إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها, أتبع ذلك سبحانه وتعالى أن له الملك المطلق, وأنه يقسم النعمة والبلاء كما شاء بحكمته, لا كما شاء الإنسان بهواه, وفيه إشارة إلى أن إذاقة الرحمة ليست للفرح والبطر, بل لشكر موليها, وإصابة المحنة ليست للكفران والجزع بل للرجوع إلى مبليها. فلم يبق إلا التسليم والشغل بتعظيم المنعم المبلي.
وناسب البيان أن يدل من أول الأمر أنه تعالى يفعل لمحض إرادته ومشيئته لا مدخل لمشيئة العبد, فلذا قدمت الإناث في الذكر وأخرت الذكور، كأنه قيل: يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء من الأناث ما لا يهواه, ويهب لمن يشاء منهم ما يهواه, فقد كانت العرب تعد الإناث بلاء. ولو قدم المؤخر لاختل النظم، وليس التقديم لمجرد رعاية مناسبة القرب من البلاء ليعارض بأن الآية السابقة ذكرت الرحمة أولا فناسب ذلك تقديم الذكور، وفي تعريف الذكور ما فيه من التنبيه على أنه الحاضر في قلوبهم أول خاطر، وأنه الذي عقدوا عليه مناهم.. ولما قضي الوطر من هذا الأسلوب قيل: أو يزوجهم ذكرانا وإناثا.. والمراد يهب لمن يشاء ما لا يهواه، ويهب لمن يشاء ما يهواه، أو يهب الأمرين معا.
والله أعلم.