الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تضمن السؤال ثلاثة أمور :
1 ـ المبلغ الذي دفعه أحد الأبناء عن أمه ثمنا للأرض .
2 ـ المبلغ الذي اقترضه الأخ من أخيه .
3 ـ كيفية تقسيم التركة .
وحول النقطة الأولى : فالأصل أن ما يعطيه الولد لأحد أبويه يكون على سبيل الهبة ما لم يبين أنه دفعه على سبيل القرض ونحوه ، وعليه فذلك المبلغ الذي دفعه الابن عن أمه يعتبر هبة ما لم يكن قد بين لها خلاف ذلك .
ثم ذلك المبلغ الذي اقترضه الأخ من أخيه يعتبر دينا على الأخ المقترض ما لم يصرح المقرض بأنه تركه له .
وأما كيفية تقسيم التركة فإن الأرض تعتبر ملكا للأم وما قام به الابن من البناء فيها يعتبر استعارة ، والإعارة تنفسخ بموت المعير عند جمهور الفقهاء: الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو وجه عن المالكية ، ففي الموسوعة الفقهية : فعقد الإعارة ينفسخ بموت المعير أو المستعير عند جمهور الفقهاء : ( الحنفية ، والشافعية والحنابلة ) لأنها عقد على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا فيتجدد العقد حسب حدوث المنافع ولا يمكن ذلك بعد وفاة أحد العاقدين كما علله الحنفية ، ولأن العارية إباحة المنافع وهي تحتاج إلى الإذن وقد بطل بالموت ، فانفسخت الإعارة كما علله الشافعية والحنابلة ، أما المالكية فالعارية عندهم عقد لازم إذا كانت مقيدة بأجل أو عمل فلا تنفسخ بموت المعير أو المستعير وتدوم إلى أن تتم المدة ، أما إذا كانت العارية مطلقة ففي انفساخها عند المالكية روايتان ظاهرهما عدم الانفساخ إلى العمل أو الزمن المعتاد . وإذا تقرر انفساخ العارية بموت الأم فإن المعير مخير بين أن يأمر المستعير بهدم البناء ، وبين أن يدفع له قيمته منقوضا ، قال الدردير ممزوجا بكلام خليل : ( وإن انقضت مدة البناء والغرس ) المشترطة ، أو المعتادة ( فكالغاصب ) لأرض بنى بها أو غرس فالخيار للمعير بين أمره بهدمه وقلع شجره وتسوية الأرض كما كانت وبين دفع قيمته منقوضا بعد إسقاط أجرة من يهدمه ويسوي الأرض إذا كان المستعير لا يتولى ذلك بنفسه أو خدمه ، وإلا لم يعتبر إسقاط ما ذكر ويدفع له قيمته منقوضا بتمامها .
وعليه فالواجب هنا أن تقوم الأرض دون البناء ثم يقوم البناء منقوضا ويشترك الطرفان كل بنسبته، فلو قيل مثلا إن قيمتها قبل البناء : 1000 وقيمة الأدوات التي يمكن الانتفاع بها من البناء : 600 وأجرة الهدم : 100 كان ثلثها خاصا بالأخ صاحب البناء والثلثان تركة وقس على ذلك .
إلا أننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات .
والله أعلم .