الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنت في خوفك من أن تكون قصَّرت في حق الأيتام، فإن مال اليتيم شأنه عظيم عند الله. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء: 10}.
وثمت ملاحظة لا بد من إبدائها، وهي قولك لتلك المرأة عند كل مبلغ تستفيده: أنا إذا تركت هذا المال عندي فسأبقى أعطيها بالطريقة السابقة وإنما أحسب نصف ما أعطيها علي والنصف الآخر يحسب من مالها، فإن انقضى هذا المال سأواصل إعطاءهم كما في السابق، وإن وضعته في حسابها فسأنقطع عن إعطائها ما دام لديها مال حتى ينقضي هذا المال وبعدها سأعيد إعطاءها من جديد. هذه العبارة تفيد أنك تحرص على أن يبقى المال عندك كي تستثمره لحسابك الخاص، ويتأكد هذا فيما ذكرته بعد ذلك في قولك: وطلبت مني زوجته أن أشغله لهم ورفضت أنا وقلت لها نفس ما قلته لها في المرة السابقة انطلاقا من مبدأ أني أعطيهم إذا كانوا محتاجين فرأت مرة أخرى أن أبقي المال عندي. فأنت إذاً قد أجبرت تلك المسكينة بما تهددها به من قطع المساعدة عنها على أن يبقى المال في حوزتك دائما لتستفيد من أرباحه. وكان الأولى بك أن تستجيب لطلبها منك استثمار هذا المال إذا كنت تعلم أن فيه مصلحة لهم. فإنه لا يجوز أن يُقرب مال اليتيم إلا بما فيه مصلحته، كما قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {الإسراء: 34}. والتي هي أحسن هي الأكثر نفعا لليتيم، كما قال أهل التفسير، وذلك بكل وجه تكون فيه المنفعة لليتيم لا للمتصرف في المال. ولا يجوز لوصي اليتيم أن يتصرف في أمواله أو يقرض منها أو يقترض لمصلحته الخاصة دون أن يكون في ذلك نفع لليتيم. قال عمر رضي الله عنه: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة. رواه مالك في الموطأ. وجاء في أحكام القرآن للجصاص عند قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : هذا يدل على أن من له ولاية على اليتيم يجوز له دفع مال اليتيم مضاربة، وأن يعمل به هو مضاربة، فيستحق ربحه إذا رأى ذلك أحسن، وأن يبضع ويستأجر من يتصرف ويتجر في ماله، وأن يشتري ماله من نفسه إذا كان ذلك خيرا لليتيم، وهو أن يكون ما يعطي اليتيم أكثر قيمة مما يأخذه منه.
وبناء على ما ذكر، فإذا كان حرصك على بقاء المال عندك هو لمجرد الاحتياط في حفظه، ورأيت أن ذلك هو الأصلح له، فلا حرج عليك في شيء مما ذكرت.
وإن كنت إنما أردت بذلك أن تستبد بربح هذا المال مقابل ما تدفعه لهم فإن عليك التوقف عن ذلك فورا ولك أن تستبرئ من ذلك وتشرك الأيتام فيما حصل من أرباح بالنسبة التي يجري العرف عندكم أن يحصل عليها رب القِراض، فهذا هو الذي نراه أحوط لك وأبرأ لذمتك عند الله ، ويمكنك أن تراجع في حكم الاشتراك في صناديق الضمان الاجتماعي فتوانا رقم: 9531.
والله أعلم.