الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد حان الوقت لغربلة الأفكار المنافية للقواعد العلمية الرصينة والمنافية للدراسة النقدية الدقيقة، فحين يتكلم شخص عن الحديث مع من يوافقه أو يخالفه ينبغي أن يعلم الأساس الذي بني عليه علم الحديث وقانون التصحيح والتضعيف، وهذا ما نراك أيها الأخ السائل قد جانبته تمامًا، فلم تلتفت إلى الأحاديث الواردة في إباحة المتعة ولم تنظر إليها وقد ثبتت في الصحيحين فمن ذلك:
ما رواه البخاري في صحيحه قال: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله عن أبيهما أن عليًّا رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر. وهذا حديث إسناده كالشمس، رواته كلهم ثقات أئمة لا يشق لهم غبار.
وما رواه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني حدثنا أبي ووكيع وابن بشر عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {المائدة:87}. وهذا حديث رواته أئمة ثقات جبال من العلم والتحقيق.
وما رواه مسلم في صحيحه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها.
وهذه أحاديث رواتها ثقات، والطعن في هذه الأحاديث طعن في الشريعة؛ لأن نقلة هذه الأحاديث هم نقلة أحاديث الصلاة والصيام وبقية أمور الإسلام. وانظر الفتوى رقم: 68402. والفتوى رقم: 24142 ففيها بيان إباحة المتعة ثم نسخ ذلك.
واعلم أن العقل لا يمنع جواز نكاح المتعة، فجوازه ومنعه حكم شرعي لا عقلي، قال أبو بكر الجصاص: وقد روي عن جماعة من السلف أنها زنا؛ حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح بن الليث عن عقيل ويونس عن ابن شهاب عن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن ابن عمر أنه سئل عن المتعة؟ فقال: ذلك السفاح. وروي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان نكاح المتعة بمنزلة الزنا.
فإن قيل: لا يجوز أن تكون المتعة زنًا؛ لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبح الله تعالى الزنا قط.
قيل له: لم تكن زنًا في وقت الإباحة، فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الزانية هي التي تنكح نفسها بغير بينة، وأيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر. وإنما معناه التحريم لا حقيقة الزنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: العينان تزنيان، والرجلان تزنيان، فزنا العين النظر، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه. فأطلق اسم الزنا في هذه الوجوه على وجه المجاز، إذ كان محرمًا، فكذلك من أطلق اسم الزنا على المتعة فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم. اهـ
وننبهك إلى أمرين: الأول: أن تحذر أشد الحذر من الكلام في الشرع إلا بعلم وفهم ومعرفة بكلام العلماء وقواعد الاستنباط.
الثاني: أن تحية أهل الإسلام هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى أن من قال: السلام على من اتبع الهدى لم يستحق جوابًا لأنه لم يأت بتحية الإسلام.
والله أعلم.