الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجمع رخصة شرعية للإمام والمأموم والمنفرد بحسب الحال في الأحوال التالية:
1- يشرع الجمع بين الظهر والعصر للحاج في عرفات جمع تقديم فيصلي الظهر والعصر عند أول وقت الظهر ويشرع الجمع بين المغرب والعشاء، بعد الإفاضة من عرفات جمع تأخير، وكل هذا باتفاق الفقهاء - وإن اختلفوا هل هو جمع للسفر أو للنسك - لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً"… إلى أن قال جابر " حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبِّح بينهما شيئاً" رواه مسلم.
2-في السفر: يشرع الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم، أو جمع تأخير، وهو مذهب الشافعية، والمالكية، والحنابلة، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث منها : ما رواه مسلم عن معاذ رضي الله عنه قال "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر، جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً)
3- في المرض: يجوز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء عند المالكية ، والحنابلة، وذهب إليه جماعة من فقهاء الشافعية، وقال النووي : هذا الوجه قوي جداً. واحتجوا أن الجمع لا يكون إلا لعذر، والمرض عذر، وقاسوه على السفر بجامع المشقة، بل إن المشقة في إفراد الصلوات على المريض أشد منها على المسافر، إلا أن المالكية يرون أن الجمع الجائز في المرض هو جمع التقديم فقط .
بينما ذهبت الحنفية وهو مشهور مذهب الشافعية إلى عدم جواز الجمع للمرض لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم رغم مرضه أمراضاً كثيرة، ولعل الراجح ما ذهب إليه الأولون لأن العلماء يكادون يجمعون على أن العلة في جواز الجمع في السفر هي المشقة الحاصلة بالإفراد، ولا شك أن مشقة الإفراد أشد على كثير من المرضى منها على كثير من المسافرين، والله جل وعلا ما جعل علينا في الدين من حرج ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع وجود المقتضي قد يكون منشؤه أنه أخذ في السفر بالرخصة رفقا بمن كان معه، ولم يأخذ بها في المرض لعدم وجود المشارك في السبب.
4- في المطر الذي يبل الثياب والبرد: فقد ذهب جمهور فقهاء الشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلى جواز الجمع
بين المغرب والعشاء بسبب ذلك، لحديث ابن عباس في الصحيحين " وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" وزاد مسلم في رواية " من غير خوف ولا سفر" وفي رواية " من غير خوف ولا مطر" فقال كل من مالك والشافعي: أرى ذلك بعذر المطر، كما فسره أبو الشعثاء راوية الحديث بذلك، ولم يأخذ بالرواية الأخيرة " من غير خوف ولا مطر" لأنها تخالف ما رواه الجماعة، قال الحافظ رحمه الله: ( واعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شيء من كتب الحديث بل المشهور من غير خوف ولا سفر) وقد جاء عن ابن عباس، وابن عمر أنهما كانا يجمعان لسبب المطر، إلا أن المالكية يجوزونه فقط تقديماً بين المغرب والعشاء، والحنابلة يجوزونه بينهما تقديماً أو تأخيراً ، وأجازه الشافعية بينهما وبين الظهر والعصر تقديماً فقط، وأجاز الحنابلة والمالكية الجمع في الوحل، ومنعه الشافعية وأجازه بعضهم، وقواه النووي. وهو الصواب - إن شاء الله - لأن المشقة فيه ليست بأقل من المشقة في المطر.
5- في الخوف : ذهب الحنابلة وبعض الشافعية وهو رواية عند المالكية إلى جواز الجمع لسبب الخوف بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، واستدلوا بحديث ابن عباس السابق " من غير خوف ولا سفر" قالوا فهذا يدل على أن الجمع للخوف أولى. وذهب أكثر الشافعية وهو جار على رواية عند المالكية إلى عدم جواز الجمع للخوف، لأن الصلاة لها مواقيت معلومة شرعاً فلا يخرج عنها إلا بدليل.
6- وفي العذر: ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز الجمع لغير الأعذار السالفة، لأن أخبار المواقيت ثابتة عن الشارع، ولا تجوز مخالفتها إلا بدليل خاص .
وتوسع الحنابلة في الأعذار المبيحة للجمع بأنها كل عذر أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة ، كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع.
وذهب أشهب من المالكية، وابن المنذر من الشافعية، وابن سيرين، وابن شبرمة، إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتخذه عادة، لحديث ابن عباس المذكور الذي رواه مسلم قال " جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس ماذا أراد بذلك قال ؟ أراد ألا يحرج أمته" والراجح أن هذا المذهب يؤخذ به إذا اضطر إلى ذلك في غير الأعذار المذكورة، كأن يكون طبيباً يجري عميلة لمريض، وجاء وقت الصلاة في أثنائها ولا يمكن ترك ذلك، فيؤخر الصلاة ،أو يقدمها بحسب الحال .
وأما الحنفية فلا يجيزون الجمع لسفر ولا مرض، ولا لغيرها من الأعذار الأخرى، ولا شك أن مذهبهم في هذا مردود لمخالفته للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تلقتها جماهير الأمة بالقبول.هذا مع التنبه أن لكل جمع أحكامه وشروطه عند الفقهاء مع اختلاف فيما بينهم في ذلك، وهي موجودة في كتب الفقه فلتراجع.
والله أعلم