الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنظرة المشروعة عند الخطبة الهدف منها تعرف الخاطب على شكل المخطوبة والعكس، وليس الهدف منها معرفة طباع الآخر وأخلاقه، فمعرفة الصفات والطباع لا يتسنى من خلال نظرة أو نظرات، ولا من خلال جلسة أو جلسات، إن معرفة طباع شخص وأخلاقه تحتاج إلى صحبة طويلة ومعاشرة مديدة بكل ظروف الحياة وما فيها من مواقف وأحوال، بل قد قيل إن أخلاق الشخص وطباعه لا تعرف إلا بالسفر معه، وذلك أن السفر يسفر عن أخلاق صاحبه، فكم من شخص نعرفه من زمن ونجتمع به على الدوام، ولكن لا نعرف أخلاقه الحقيقية، لأن الناس يتجاملون ويتصنعون لبعضهم في تعاملهم، ولا تظهر أخلاقهم إلا عند النوائب والملمات كما قال أحدهم:
فما أكثر الإخوان حين تعدهم * ولكنهم في النائبات قليل
إذاً لا سبيل لمعرفة أخلاق الخاطب أو المخطوبة إلا من خلال صحبة طويلة، وهذا لا سبيل إليه قبل الزواج، ولذلك فإن من يتحججون لتبرير العلاقات غير المشروعة في فترة الخطبة بأنها لمعرفة الأخلاق والطباع حجتهم داحضة وتبريراتهم تلك واهية، فإن هذه العلاقات مع ما يقع فيها من انتهاك للأعراض لا تحقق الهدف المبرر لإقامتها وهي معرفة الأخلاق، وذلك أن كل واحد يتصنع للآخر ويظهر أمامه الجميل ويخفي القبيح من أخلاقه وطباعه، حال كل الناس في التعامل بينهم، بل هو بين المخطوبين أشد، ولذلك فالصواب هو أن يسأل كل من المخطوبين عن أخلاق الآخر من خلال من يعرفه ومن عاشره وصحبه، واستشارة أهل الرأي، ومعرفة عائلته من إخوانه وأخواته وأمه وأبيه، مع تحري الدين والخلق الإسلامي، وفي هذا كفاية وغنية عن الأمور الأخرى التي لا تأتي بخير.
والله أعلم.