الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه ينبغي لجميع أفراد الأمة أن يحرصوا على التفقه في أمور التوحيد، ويبتعدوا عن كل ما يخل به، وأن يكثروا من الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إليه حيث قال له: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وعلى طلاب العلم أن ينشطوا في توعية المجتمعات، وتبصيرها بمسائل العقيدة حتى يسلموا من الوقوع في الأفعال المكفرة وأن يجدوا في طلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل بعلم وإخلاص وصبر، فهذا أنفع لهم من التكفير الذي قد لا ينضبط بضوابط الشرع، وقد بينا في الفتوى رقم: 38757، والفتوى رقم: 63007، جواز اللجوء للمحاكم غير الشرعية عند الاضطرار وعدم وجود غيرها.
وبينا في الفتوى رقم: 36317 أن السجود للصنم، كفر إجماعاً، إلا أن يكون سجود الساجد لله وقد أوقعه أمام الصنم، فلا يكون كفراً على ما قرره شيخ الإسلام لانتفاء قصد الفعل المكفر، قال رحمه الله: فلو قدر أنه سجد قدام وثن ولم يقصد بقلبه السجود له، بل قصد السجود لله بقلبه لم يكن ذلك كفراً، وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظاهر، ويقصد بقلبه السجود لله. انتهى من مجموع الفتاوى، وبينا في الفتوى رقم: 64166 أن مذهب الجمهور عدم اعتبار أخذ المال إكراهاً وخالف في ذلك بعض المحققين فاعتبروه إكراهاً.
ويمكن أن ترجعوا إلى فتاوى الشبكة الخاصة بضوابط التكفير عن طريق العرض الموضوعي على الصفحة الرئيسية لتطلعوا على ضوابط التكفير، وبناء عليه فلا يحق لمسلم تكفير مسلم إلا إذا رأى منه كفراً بواحاً ثبت التكفير به في نصوص الوحي أو مجمعاً عليه فلا يكفر المتوقف في تكفير المتأول والمكره الذي اعتمد على أحد الأقوال في تعريف الإكراه، وقد حذر أهل العلم من التكفير للشخص المعين ما لم تقم عليه الحجة وينتفي التأويل، فقال شيخ الإسلام في تلخيص كتاب الاستغاثة: فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى، وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كل من جهل شيئاً من الدين يكفر ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحاً على ما فهموه من آية المائدة اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال كفروا وإن أقروا به جلدوا فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق فإذا أصروا على الجحود كفروا.
وقد ثبت في الصحيحين حديث الذي قال لأهله إذا أنا مت فاسحقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين، فأمر الله البر فرد ما أخذ منه وأمر البحر فرد ما أخذ منه، وقال ما حملك على ما فعلت، قال: خشيتك يا رب فغفر له. فهذا اعتقد أنه إذا فعل ذلك لا يقدر الله على إعادته وأنه لا يعيده أو جوز ذلك وكلاهما كفر لكن كان جاهلاً لم يتبين له الحق بيانا يكفر بمخالفته فغفر الله له...
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى: وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه، ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلاً فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها، وقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أن أحداً لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام وخالفهم أهل البدع، فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا أن اتفق الجميع على تكفيره أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة.
والله أعلم.