الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن قراءة القرآن والصلاة والصيام وقيام الليل كل ذلك من أعمال البر التي رغب فيها الشارع وحث عليها ووعد عليها بالأجر والمثوبة العظيمة، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه...
كما رغب الشارع في تعلم العلم النافع فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر: 9} وقد اختلف أهل العلم أيهما أفضل التفرغ للعبادة أو الكسب وتعلم العلم النافع؟ وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 41315 ولا شك أن ما كان نفعه متعديا أفضل مما كان نفعه قاصرا سيما وأن تعلم العلم وتعليمه مما يجري على الإنسان نفعه بعد موته، وقد بينا في الفتوى رقم: 21061 والفتوى رقم: 18640 الأدلة الدالة على شرف العلم وفضله، ومنها ما ذكرت في السؤال، وهو جزء من حديث طويل ذكرناه مع تلك الأدلة، ولكن ذلك كله إنما هو في العلم الشرعي الذي يعرف العبد بربه ويدله عليه، ويتبين به الحلال والحرام مما يؤدي إلى الخشية منه عز وجل؛ كما قال: إنما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {فاطر: 28} وقال صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم
وأما العلوم الدنيوية فلا بد من تعلمها للمسلمين فهي فرض كفاية، ومن تعلمها لأجل كفاية المسلمين وخدمة هذا الدين فإنه مثاب على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه. ولكنه لا يصل إلى درجة العالم بالعلوم الشرعية المخلص فيها، وفي كلٍ خير، والأولى أن يجمع المرء بين طلب العلم والعبادة
والله أعلم.