الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبما أن الجرح الذي حصل في وجهك قد فعله الفاعل عمدا، فإن أمكن القصاص من صاحبه، وأمن من الحيف ولم يخش في ذلك هلاك، فالواجب فيه هو القصاص، لقول الله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ{المائدة: 45}. وليس في الجناية حينئذ أرش ـ تعويض ـ إلا أن يصطلح الجاني والمجني عليه على شيء فلهما ذلك، ولا يشترط مساواة المصطلح عليه لما يلزم في الجرح لو كان خطأ. قال خليل: وجاز صلحه في عمد بأقل أو أكثر. وأما لو كان القصاص غير ممكن لاحتمال هلاك الجاني إذا اقتص منه فإن الأرش يكون هو المتعين. ثم إن الحكم في القصاص ونحوه مما هو متعلق بالجراحات هو من اختصاص القضاة الشرعيين لا غيرهم. قال الشيخ خليل بن إسحاق: وإنما يحكم في الرشد وضده والوصية والحبس المعقب وأمر الغائب والنسب والولاء وحد وقصاص ومال يتيم القضاة. وعليه، فليس من حق من سميتهم بالقعدة العرفية أن يحكموا في موضوع جرحك بقصاص مالم يكونوا قضاة مختصين بذلك. ولا أن يحكموا بتخيير الجناة بين القصاص ودفع الدية، وإنما الواجب هو الحكم بالقصاص فقط من له ذلك وهو القاضي-إن أمكن القصاص- إلا أن ترضى أنت بأخذ الأرش منهم ، أو الحكم بالأرش عند عدم إمكان القصاص، أو تتراضوا جميعا على ما ذكرت من الدية، فحينئذ يصح ذلك ويلزم. وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان المجني عليه مخيرا بين أخذ المال واستيفاء القصاص أم أنه ليس له إلا القصاص ولا يجوز له أن يأخذ المال إلا برضا الجاني، ففي الموسوعة الفقهية: واختلف الفقهاء في توقف تخيير ولي الدم في أخذ الدية على رضا الجاني. فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يجوز أن يعفو ولي الدم إلى الدية إلا برضا الجاني، وأنه ليس لولي الدم جبر الجاني على دفع الدية إذا سلم نفسه للقصاص. وذهب الشافعية في الأظهر، والحنابلة في المعتمد إلى أن موجب القتل العمد هو القود، وأن الدية بدل عنه عند سقوطه، فإذا عفا عن القصاص واختار الدية وجبت دون توقف على رضا الجاني. وهو قول أشهب من المالكية. وفي قول آخر للشافعية، وهو رواية عند الحنابلة أن موجب القتل العمد هو القصاص أو الدية أحدهما لا بعينه، ويتخير ولي الدم في تعيين أحدهما. وعلى كل حال فإنك إذا أخذت المال عن جرحك فلك أن تفعل به ما تفعله بسائر أموالك لأنه من جملة مالك.