الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال النووي في شرح مسلم عند شرح حديث: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. قال: المراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يملك، ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به، كما سبق في حديث تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة ما لم تتكلم أو تعمد، وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر، ونقل القاضي عن سفيان أنه قال: الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: قال في نهاية المبتدئ: حسن الظن بأهل الدين حسن.
ظاهر هذا أنه لا يجب، وظاهره أيضا أن حسن الظن بأهل الشر ليس بحسن فظاهره لا يحرم، وظاهر قوله عليه السلام: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان، أن استمراء ظن السوء وتحقيقه لا يجوز، وأوله بعض العلماء على الحكم في الشرع بظن مجرد بلا دليل، وليس بمتجه.
وروى الترمذي عن سفيان: الظن الذي يأثم به ما تكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم، وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين ثم قال: وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به وذكر قبل ذلك قول القاضي أبي يعلى: إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله، والواجب حسن الظن بالله عز وجل، وكذلك سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة محظور، وظن مأمور به كشهادة العدل وتحري القبلة وتقويم المتلفات وأرش الجنايات، والظن المباح كمن شك في صلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين، وروى أبو هريرة مرفوعاً إذا ظننتم فلا تحققوا، وهذا من الظن الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه، والظن المندوب إليه إحسان الظن بالأخ المسلم، فأما ما روي في حديث: احترسوا من الناس بسوء الظن. فالمراد الاحتراس بحفظ المال مثل أن يقول: إن تركت بابي مفتوحا خشيت السراق. انتهى كلام القاضي.
وذكر البغوي: أن المراد بالآية سوء الظن، ثم ذكر قول سفيان. وذكر القرطبي ما ذكره المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح، وقال أبو هبيرة الوزير الحنبلي: لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترقص، ولا بمن يخالف الشرع في حال.
وقال البخاري في صحيحه: باب ما يكون من الظن إثم، روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئاً، وفي لفظ: ديننا الذي نحن عليه، قال الليث بن سعد: كانا رجلين من المنافقين.
والله أعلم.