الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شكّ أن القرآن الكريم شفاء للأرواح، والأبدان، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا {الإسراء:82}، والتزام المسلم، أو المسلمة بالأذكار، والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة آيات الرقية الشرعية، تعصم المسلم من الشيطان، وتبعد عنه الوسواس، وتبطل تأثير العين، أو السحر عنه -بإذن الله-.
ومن ذلك: قراءة آية الكرسي، والمعوذتين، وخواتيم سورة البقرة، وغير ذلك من آي القرآن المجيد.
وهذه الرقى هي التي يعرفها، ويداوي بها أهل التقوى، والصلاح، ولا بأس بالاسترقاء عندهم، بخلاف السحرة الدجالين، والمشعوذين، فإنه يجب الحذر منهم، والبعد عنهم.
ولكي تكون الرقية الشرعية نافعة، فلا بد لقارئها، والمقروء عليه، الالتزام بالفرائض؛ لأن كثيرًا من الذين يصابون بمسّ جني، أو اللواتي يحدث لهن إجهاض، لا يلتزمن بالصلاة المفروضة، ولا بالطهارة من النجاسات، مضيعات للفرائض، مرتكبات للمحرمات، فكيف تقع الرقية موقعها من هؤلاء مع هذه المخالفات!؟
ولذا فإننا نقول للسائلة الكريمة: يجب عليك المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وفعل الواجبات، وترك المحرمات، فإذا تحقق ذلك، مع الالتزام بأذكار الصباح، والمساء، والنوم، ودخول المنزل، والخروج منه، وسائر الأذكار المطلوبة، فلن يكون للشيطان، أو القرين تأثير على الحمل، أو غيره -إن شاء الله-.
وأما الحجاب من القرآن، فإن كان المقصود به: (ما يكتب في ورق، ثم يوضع في خرقة من قماش، أو قطعة من جلد، ثم يعلق)، فهذا داخل فيما يعرف بالتميمة.
والتميمة إذا كانت من القرآن، فقد اختلف أهل العلم في جواز تعليقها، والراجح أنه لا يجوز، وبه قال ابن مسعود، وابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو ظاهر قول حذيفة، وعقبة بن عامر، وابن عكيم، وذلك لما يلي:
أولًا: لعموم النهي عن التمائم، في قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرقى، والتمائم، والتولة شرك. رواه أبو داود، وأحمد.
ثانيًا: لسد الذريعة؛ لأنه قد يفضي إلى تعليق ما ليس من القرآن.
ثالثًا: ولأنه لو علق، فلا بدّ أن يمتهنه المعلّق عليه، فيحمله معه في حالة قضاء الحاجة، والاستنجاء...
وعلى هذا؛ فإننا نقول للسائلة: أكثري من ذكر الله، والاستغفار، والدعاء، واحرصي على الطاعات، وسيحصل لك ما تريدين -إن شاء الله-.
أما الذهاب إلى شيخ يقرأ القرآن، ويأخذ مقابل القراءة، فإن كان هذا القارئ يقرأ للعلاج، ورقية المريض، ويأخذ مقابل هذا أجرًا، فلا بأس بذلك؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعلهم أن يكون عندهم شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء، لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله، إني لأرقي، ولكن استضفناكم، فلم تضيفونا، فما أنا براق؛ حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، فقال: فأوفوهم جُعلهم، الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا؛ حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟، ثم قال:" قد أصبتم، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهمًا". قال ابن تيمية - رحمه الله -: وأذن لهم في أخذ الجعل على شفاء اللديغ بالرقية. اهـ من مجموع الفتاوى.
وعلى هذا؛ فلا بأس بأخذ القارئ أجرًا على الرقية، إذا حصل بها شفاء، وكانت موافقة للسنة النبوية.
والله أعلم.