الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هناك رجلين من أصحاب المصنفات كل واحد منهماعرف بابن رشد، الأول هو: القاضي العلامة شيخ المالكية محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي المالكي أثنى عليه الذهبي في (السيرة) وذكر بعض مصنفاته، وكلها في الفقه والحديث.
وأما الرجل الثاني فهو حفيد الأول المذكور آنفاً، وهو محمد بن أحمد بن محمد أبو الوليد القرطبي، قال عنه الذهبي في (السير): العلامة فيلسوف الوقت أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي. مولده قبل موت جده بشهر سنة عشرين وخمس مائة. عرض الموطأ على أبيه. وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة وبرع في الفقه وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم حتى صار يضرب به المثل في ذلك، ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة استدعى ابن رشد واحترمه كثيراً، ثم نقم عليه بعد يعني لأجل الفلسفة، وله شرح أرجوزة ابن سينا في الطب والمقدمات في الفقه كتاب الحيوان كتاب جوامع كتب أرسطوطاليس شرح كتاب النفس كتاب في المنطق كتاب تلخيص الإلاهيات لنيقولاوس كتاب تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو كتاب تلخيص التعريف وكتاب الحميات وكتاب حيلة البرء ولخص كتاب السماع الطبيعي وله كتاب تهافت التهافت وكتاب مناهج الأدلة أصول وكتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال كتاب شرح القياس لأرسطو مقالة في العقل مقالة في القياس كتاب الفحص في أمر العقل الفحص عن مسائل في الشفاء مسألة في الزمان مقالة فيما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون في كيفية وجود العالم مقالة في نظر الفارابي في المنطق ونظر أرسطو مقالة في اتصال العقل المفارق للإنسان مقالة في وجود المادة الأولى مقالة في الرد على ابن سينا مقالة في المزاج مسائل حكمية مقالة في حركة الفلك كتاب ما خالف في الفارابي أرسطو.
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه لما دخلت البلاد سألت عن ابن رشد فقيل إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب لا يدخل إليه أحد لأنه رفعت عنه أقوال ردية ونسبت إليه العلوم المهجورة ومات محبوساً بداره بمراكش. اهـ باختصار.
وابن رشد الحفيد ذكر عنه ابن تيمية أنه كان معظماً للفلاسفة ومغاليا في تعظيمهم، وهو معدود في أتباع أرسطو الفيلسوف فقال عنه في (درء التعارض): وأما كلامه وكلام اتباعه كالإسكندر الأفروديسي وبرقلس وثامسطيوس والفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وأمثالهم في الإلهيات فما فيه من الخطأ الكثير والتقصير العظيم ظاهر لجمهور عقلاء بني آدم، بل في كلامهم من التناقض ما لا يكاد يستقصى. اهـ
وفي (درء التعارض) أيضاً ذكر ابن تيمية الأقوال في المقارنة بين النبي والفيلسوف أيهما أفضل، ثم ذكر قولاً قال بعده: وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية كالملاحدة الإسماعيلية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي والسهروروي المقتول وابن رشد الحفيد وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة. اهـ
ولقد ترك الإمام الغزالي طرق الفلاسفة بعد أن عرف كلامهم وأيس من نيل مطلوبه من طريقتهم، ووضع كتاباً سماه: (تهافت الفلاسفة)، فلم يعجب ذلك ابن رشد، فرد عليه بكتاب سماه (تهافت التهافت). قال شيخ الإسلام في (درء التعارض): بل وهذا هو المنقول عن أكثر الفلاسفة أيضاً كما ذكر أبو الوليد ابن رشد الحفيد وهو من أتبع الناس لمقالات المشائين أرسطو وأتباعه ومن أكثر الناس عناية بها وموافقة لها وبياناً لما خالف فيه ابن سينا وأمثاله لها حتى صنف كتاب (تهافت التهافت) وانتصر فيه لإخوانه الفلاسفة ورد فيه على أبي حامد في كتابه الذي صنفه في تهافت الفلاسفة. اهـ
ومما سبق يتضح أن ابن رشد الحفيد كان ذا فقه وعلم بفروع المالكية وغيرهم كما هو ظاهر في كتابه النافع (بداية المجتهد) إلا إنه لم تكن طريقته مرضية في العقيدة وأصول الدين، وكان مجانباً لمنهج أهل السنة والجماعة، ميمماً وجهه شطر الفلاسفة يتلقى منهم، معرضاً عن نصوص الوحيين وطريقة السلف المتقدمين في العقيدة.
والله أعلم.