الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد الله الذي من عليك بنعمة التوبة قبل أن يفجأك الموت حيث لا ينفع الندم. واعلمي أن هناك شرطاً للتوبة النصوح متى استوفاها الإنسان فإن الله يقبل توبته، بل ويبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. وقال أيضاً: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104}. وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694، 29785. واحذري من كيد الشيطان ولا تستجيبي لتقنيطه لك من رحمة الله، وانظري الفتوى رقم: 17160.
هذا وإن ما تشعرين به من الكبرياء والاعتزاز بالنفس أمر غريب على من تجرأ على الله وعصاه ثم وفقه الله للتوبة، فإن الأصل فيمن هذه حاله أن يكون منكسر القلب منكس الرأس خاشع الطرف لله عز وجل، وهي أحوال تجعل العبد قريباً من الله مستوجباً لنظره ورحمته، وقد قيل: رب ذنب ظل بصاحبه حتى يدخله الجنة. وذلك بتذكر الذنب دائما والندم عليه.
وهناك أسباب لدفع داء الكبر عن القلب، منها: أن هذا الداء مهلك لصاحبه، فقد قال صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. رواه مسلم. ومنها: تذكر عظمة الله تعالى وأن الكبرياء من صفاته، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار. رواه مسلم. وفي المقابل تذكر ضعف الإنسان وفقره وحاجة وقلة حيلته، فعلام يتكبر؟!! ومن أسباب علاج الكبر أيضاً: صحبة الصالحات المتواضعات المتمسكنات، فإن صحبتهن تغري بمشاكلتهن، والطباع سراقة وكما قيل: الصاحب ساحب. وعليك كذلك بقراءة سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن فيها من العبر الشيء الكثير، وتأملي حاله في انتصاره على أعدائه، وتعامله مع أصحابه حين يخطئون ونحو ذلك. وكذلك أكثري من زيارة المرضى ورؤية أهل البلاء، فإنها تكسر القلب وتكسب التواضع.