الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأخذ برؤية بلد بعينه أو عدم الأخذ بها في دخول رمضان أو خروجه يرجع إلى اختلاف أهل العلم لا إلى كون البلد الذي رؤي فيه الهلال بلدا مقدساً، وقد اختلف أهل العلم إذا رؤي الهلال في بلد من البلدان هل هي رؤية لجميع المسلمين يلزمهم جميعاً الصيام أو الإفطار بها؟ أم أن لكل بلد حكمه في الصيام أو الإفطار حسب اختلاف المطالع؟
فذهب جمهورهم إلى القول الأول عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا. متفق عليه من حديث ابن عمر، وقالوا الخطاب عام لجميع المسلمين، ولا عبرة باتفاق المطالع واختلافها، وذهب الإمام الشافعي وجماعة من السلف إلى القول باختلاف المطالع، وقالوا إن الخطاب في الحديث نسبي فإن الأمر بالصوم والفطر موجه إلى من وجد عندهم الهلال.
أما من لم يوجد عندهم هلال فإن الخطاب لا يتناولهم إلا حين يوجد عندهم، وهذا القول هو الراجح، والقول بعدم اعتبار اختلاف المطالع يخالف المعقول والمنقول، أما مخالفته للمعقول فلمخالفته لما هو ثابت بالضرورة من اختلاف الأوقات، وأما مخالفته للمنقول فلأنه مخالف لما أخرجه مسلم وغيره، عن كريب قال: قدمت الشام واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل بلد رؤيتهم.
والله أعلم.