الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن الواجب على المسلم أن يصرف همته إلى ما يفيده من أمر دينه ودنياه، وما يترتب عليه عمل بدلاً من التفكير والنظر في مسائل قد فرغ منها كمسائل القدر أو مسائل لا يترتب عليها عمل، إذ غاية العلم العمل.
وأما ما تضمنه سؤالك من أمور فجوابنا عنه في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن الله تعالى قد خلق الأرواح قبل خلق الأجساد، وهذه الأرواح هي التي أخذ الله عليها العهد والميثاق وهي في عالم الذر، قال ابن القيم في كتابه (الروح): وأخذ الله عهدها وشهادتها له بالربوبية وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد والأجساد يومئذ تراب وماء. انتهى، فتبين أن الآيات المذكورة إنما هي في خلق الأجساد ثم بعث الأرواح فيها، وأن خلق الأرواح هو الذي وقع قبل ذلك.
النقطة الثانية: أن كل ما يجري في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى، قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. ويدخل في ذلك ما سألت عنه من أمر الزوجة والذرية والآجال والمحيا والممات وغيرها.
واعلم أن الله قد خلق الأسباب ومسبباتها ومن ذلك الأب والأم اللذان هما السبب في وجود الولد، وأنه سبحانه لو شاء لأوجد الذرية مع تخلف الأسباب أو توفر الموانع، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال: لا ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء، فتبين أن الأمر كله بيد الله تعالى.
وننبه إلى أن الواجب الحذر من التعمق في أمر القدر لأن ذلك قد يقود المسلم إلى ما لا تحمد عقباه.. وراجع الفتوى رقم: 53111.
النقطة الثالثة: أن كون التكليف مناطاً بالاستطاعة فحقيقة قد قررها القرآن الكريم، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286}، وقال سبحانه وتعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق:7}.
وجاءت بذلك السنة النبوية، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم، ولكن لم يتضح لنا ماذا تقصد من ذكر هذه الحقيقة هنا وما رتبت على هذه الحقيقة من سؤال.
والله أعلم.