الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بين القرآن الكريم حقيقة عيسى عليه الصلاة والسلام في أكثر من موضع، ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ {المائدة: 75}. وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ {النساء: 171}. إلى غير ذلك، وقد بينا قصة رفعه وأنه سينزل آخر الزمان، في الفتوى رقم: 26317 ورفعه عليه السلام الثابت بنص القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعارض أبدا مع الآيات التي ذكر السائل، والتي تقضي بأن كل إنسان بل كل كائن ميت، وأنه لا يبقى إلا الله تعالى، وذلك لأن رفعه عليه السلام لا يستلزم خلوده، ولا حياته الأبدية، بل قد ثبت في صحيح السنة أنه بعد نزوله يمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون. قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ {النساء: 159}. وبالتالي، فليس هناك تعارض بين الآيات المذكورة وما جاء في معناها وبين ما ثبت من أن عيسى حي وأنه في السماء، على أن كونه في السماء ثابت أيضا بالقرآن وليس فقط بالسنة. قال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ {النساء: 158}. وقال: وَرَافِعُكَ إِلَيَّ {آل عمران: 55}. ثم إنه لا حرج على المرء في السؤال عما أشكل عليه من أمور دينه أو ما التبس عليه من مسائل عقيدته سؤال استفادة ورفع للالتباس وإزالة الشبهة. قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}. ولكن إن كان الأمر من المغيبات التي لا تدرك إلا عن طريق الوحي فلا شك أن الخوض فيها والسؤال عما وراء ما أخبر به الوحي عنها أو عن تفاصيلها لا شك أن ذلك مما لا ينبغي .
والله أعلم.