الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل في أحكام الله تعالى أنها مبنية على التسليم لله عز وجل، سواء أدركت الحكمة من ورائها أم لم تدرك، وهذا التسليم فرع عن الإيمان بالله تعالى ربا عليما حكيما، فإذا استقر هذا الإيمان في القلب أثمر التصديق والطاعة والتسليم، ومن هنا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإيمان أولا. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قولها عن القرآن: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.
فالمقصود بيان أن الدعوة إلى الإيمان أولا هي الأساس، إذ يغلب في الكفر أن يؤدي إلى العناد وجحود الحق، وقد وقع ذلك من الأوائل، فقد طلبوا آية ووعدوا بالإيمان عند حصولها، فشق الله تعالى القمر نصفين، ورأوا ذلك وجحدوا بعدها فأنزل الله تعالى قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ {القمر: 2}. فلا غرابة في أن يضحك هؤلاء مع ثبوت أضرار لحم الخنزير بالحقائق العلمية فضلا عن النصوص الشرعية وإجماع الأمة.
وقد نشرت كثير من الدراسات لعلماء كفرة بهذا الخصوص، وقد ذكرنا بعض نتائجها في الفتوى رقم: 9791والفتوى رقم: 26912 ويمكن مراجعة مواقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة للاطلاع على المزيد.
وأما القول بأن لحم الخنزير إنما حرم لئلا يؤدي ذلك إلى ذبح الخنزير ومسه بالأذى، فقول لا نعلم قائلا به من أهل العلم، بل إن الجمهور على جواز قتله، كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن ابن التين، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ في الفتح: قوله: ويقتل الخنزير، أي يأمر بإعدامه مبالغة في تحريم أكله، وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذين يدعون أنهم على طريقة عيسى ثم يستحلون أكل الخنزير ويبالغون في محبته. انتهى.
ولعل قول بعض علماء الأحياء أن الخنزير أقرب حيوان للإنسان فمن حيث ما وجد من تطابق في الأنسجة بينهما، وهذا لا يعني أنه مثله من كل وجه، فإن الإنسان طاهر حيا وميتا عند جمهور أهل العلم، والخنزير نجس حيا وميتا عند جمهورهم أيضا.
وأما الاستفادة من دم الإنسان في أعضائه في التبرع بها من شخص لآخر، فالأصل فيها التحريم، وإنما يجوز ذلك للضرورة ووفقا لضوابط معينة، والاستثناء لا يخرجه عن أصله وهو التحريم، وتراجع الفتوى رقم: 5090 والفتوى رقم: 4005 وهكذا القول في الاستفادة من الخنزير.
وقد نقل بعض أهل العلم اتفاق الأمة على تحريم لحم الخنزير بجميع أجزائه، ومنهم ابن العربي في أحكام القرآن، وقال في وجه تخصيص اللحم بالذكر: والفائدة في ذكر اللحم أنه حيوان يذبح للقصد إلى لحمه. انتهى. وذكر هذا المعنى غيره كالقرطبي وابن الجوزي، والواجب الرجوع إلى كلام أهل العلم في تفسير القرآن لأن التفسير بالرأي المجرد مزلة أقدام ومضلة أفهام، فالواجب الحذر منه، وتراجع الفتوى رقم: 20711.
والله أعلم.