الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في الحلف بالطلاق، هل يقع إذا حصل ما علقه عليه أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أنه يقع لأنه طلاق معلق بشرط، فيقع بوقوع الشرط، وعلى هذا المذاهب الأربعة. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم وقوع الطلاق إذا كان الحالف يريد الزجر والمنع، وهو كاره للطلاق، فهي يمين فيها الكفارة، ونقله عن طائفة من السلف حيث قال كما في مجموع الفتاوى: وهو المنصوص عن أبي حنيفة، وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي، كالقفال وأبي سعيد المتولي صاحب التتمة، وبه يفتي ويقضي في هذه الأزمنة المتأخرة طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أهل السنة والشيعة في بلاد الجزيرة والعراق وخراسان والحجاز واليمن وغيرها، وهو قول داود وأصحابه، كابن حزم وغيره... وهو قول طائفة من السلف، كطاووس وغيره، وبه يفتي كثير من علماء المغرب في هذه الأزمنة المتأخرة من المالكية وغيرهم، وكان بعض شيوخ مصر يفتي بذلك، وقد دل على ذلك كلام الإمام أحمد المنصوص عنه، وأصول مذهبه في غير موضع.انتهى.
وعلى كل؛ فالخلاف في هذه المسألة قوي وقديم، وأكثر أهل العلم على القول الأول، ومن قالوا بالقول الثاني، وإن كانوا قلة، فإن معهم من الدليل ما يجعل قولهم محل اعتبار إلى حد بعيد، ولا حرج على من أخذ به لا سيما في مثل الحالة المذكورة في السؤال، هذا فيما يتعلق بالحلف بالطلاق.
وأما ما يتعلق بالحلف بعدم الوطء فهو إيلاء، وهو أن يحلف الزوج أن لا يطأ زوجته مدة أكثر من أربعة أشهر أو أن لا يطأ مطلقا وهو محرم، وقد بين الله حكمه في كتابه الكريم فقال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:227}.
وعليه؛ فإن عاد فوطئ وجبت عليه كفارة يمين، فإن لم يعد فلا شيء عليه ولكن للزوجة الخيار في أن تبقى معه، وفي رفع أمرها للحاكم ليلزمه بوطئها بعد مضي أربعة أشهر أو فراقها.
وأما ما يتعلق بالغضب فالأصل اعتبار ما حصل معه من الحلف بالطلاق وكذا الإيلاء إلا إذا حصلا أو أحدهما في حالة غضب لا يدري صاحبه ما يقول معه، ولا يتحكم في شيء من تصرفاته، فلا يقع، لما أخرجه أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.
وأما القول بأن الطلاق في عصرنا لا يقع إلا في المحكمة دفعا للفوضى فإنه غير صحيح؛ بل هو خارج عن كلام أهل العلم ولا عبرة به ولا يلتفت إليه.
وأخيرا: نسأل الله جل وعلا أن يوفقك للصلح بين والديك ويثيبك على ذلك.
والله أعلم.