الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج عليك في الادهان بدهن غير مطيب في بدنك حال الإحرام لا سيما إذا كان ذلك للتداوي، ولا إثم عليك ولا فدية عند جماهير العلماء، وأما إذا كان الدهن مطيبا فيحرم استعماله، إلا إذا اضطررت إليه لأجل التداوي فلا حرج عليك حينئذ في استعماله وتلزمك الفدية وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
وإليك نبذة من أقوالهم في هذه المسألة لمزيد الفائدة، قال النووي في المجموع: الأدهان ضربان: (أحدهما) دهن ليس بطيب ولا فيه طيب كالزيت والشيرج والسمن والزبد ودهن الجوز واللوز ونحوها فهذا لا يحرم استعماله في جميع البدن إلا في الرأس واللحية فيحرم استعماله فيهما بلا خلاف. انتهى أي عند الشافعية، وأجاز الحنابلة الدهن غير المطيب للمحرم ولو في الرأس واللحية، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: (أو ادهن) محرم بدهن (غير مطيب كزيت وشيرج نصا، ولو في رأسه وبدنه)، فلا إثم ولا فدية فيه.
وأجاز الحنفية الادهان للتداوي ولو كان الدهن مطيباً وأما لغير التداوي فلا يجوز عندهم وعلى فاعله الفدية عند أبي حنفية، وأما صاحباه فقالا بوجوب صدقة لا فدية، قال الكاساني في بدائع الصنائع: وإن كان غير مطيب بأن ادهن بزيت أو بشيرج فعليه دم في قول أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد عليه صدقة... ولو داوى بالزيت جرحه أو شقوق رجليه فلا كفارة عليه، لأنه ليس بطيب بنفسه، وإن كان أصل الطيب لكنه ما استعمله على وجه الطيب، فلا تجب به الكفارة.
وفي العناية شرح الهداية: (أما المطيب منه -أي الدهن- كالبنفسج) وهو معروف (والزنبق.... وما أشبهها) كدهن البان والورد (فيجب استعماله الدم بالاتفاق، لأنه طيب، وهذا إذا استعمله على وجه التطيب، ولو داوى به جرحه أو شقوق رجليه فلا كفارة عليه) وهو ظاهر.
وأما المالكية فرقوا بين المطيب وغيره فأوجبوا الفدية باستعمال المطيب في أي موضع من البدن ولو لضرورة، وأما غير المطيب فلهم تفصيل فيه ذكره الدردير في الشرح الصغير فقال: والحاصل: أن غير المطيب لغير ضرورة فيه الفدية حتى في باطن الكف والقدم وللضرورة فلا فدية إن كان ببطنها اتفاقا، وإن كان بجسده ومنه ظهورهما -أي ظهر الكف والقدم- فقولان. انتهى، وقوله (قولان) أي قول بوجوب الفدية وقول بعدمها.
والله أعلم.