الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وصفت لنا كتب السيرة والحديث صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية... ومن ذلك شعر جسده، ولم نقف -فيما اطلعنا عليه- على من تحدث عن شعر قدميه الشريفتين، وإن كانوا قد وصفوا قدميه صفة دقيقة حتى كأنما نراها رأي العين، ففي كتاب السيرة النبوية لابن حبان، ومعجم الطبراني، والبداية والنهاية لابن كثير وغيرهم في وصف قدمي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أخمص القدمين، يعني أن قدمه كان ضامراً يرتفع باطنه عن الأرض، ويتجافى عنها عند وضعه عليها.... وأنه كان مسيح القدمين، يعني أنهما متساويان ليس في ظهورهما تكسر، ولهذا ينبو عنهما الماء عند نزوله عليهما.
كما وصفوه شعر رأسه ولحيته وحاجبيه وأنه موصول ما بين اللبة (الصدر) والسرة بشعر يجري كالخيط.... وأنه أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر.. ولم يذكروا شيئاً عن شعر الرجلين.
ولعل من المفيد أن ننقل لك ما وصفه به هند بن أبي هالة التميمي للحسن بن علي رضي الله عنهما حين سأله عن وصف النبي صلى الله عليه وسلم -وكان وصافاً-، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر إن تفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرين، له نور يعلوه يحسبه من يتأمله أشم، كثّ اللحية، سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخيط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدر من لقي بالسلام...
ثم وصف له منطقه... ودخوله.. وخروجه... ومجلسه.. وصفا دقيقاً، والحديث وإن كان ضعيفاً بهذا اللفظ إلا أن له أصلا في الصحيحين وغيرهما، وكانوا يتساهلون في نقل السير والأخبار.
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم حظي من أتباعه بما لم يحظ به غيره من الأنبياء والقادة والزعماء، فقد نقلوا عنه شريعته ودعوته.... كما نقلوا عنه كل جزء من جزئيات حياته وخصائصه، وذلك كله دليل على حبهم له وتأسيهم به صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.