الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم حول مسح الأذنين هل يكون بماء الرأس أم يكون بماء جديد، وتفصيل هذا الخلاف مع أدلة الفريقين ذكره الشوكاني في "نيل الأوطار" حيث قال: واختلفوا هل يمسحان ببقية ماء الرأس أو بماء جديد فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والمؤيد بالله إلى أنه يؤخذ لهما ماء جديد، وذهب الهادي والثوري وأبو حنيفة إلى أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد.
قال ابن عبد البر: وروي عن جماعة مثل هذا القول من الصحابة والتابعين، واحتج الأولون بما في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به الرأس. أخرجه الحاكم من طريق حرملة عن ابن وهب.
قال الحافظ: إسناده ظاهر الصحة، وأخرجه البيهقي من طريق عثمان الدارمي عن الهيثم بن خارجة عن ابن وهب بلفظ: فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، وقال هذا إسناد صحيح.
لكن ذكر الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في الإمام أنه رأى في رواية ابن المقبري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الإسناد ولفظه: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه. لم يذكر الأذنين.
قال الحافظ: قلت: كذا هو في صحيح ابن حبان عن ابن سلم عن حرملة، وكذا رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب. وقال عبد الحق: ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعقبه ابن القطان بأن الذي في رواية جارية بلفظ أخذ للرأس ماء جديدا. رواه البزار والطبراني.
وروى في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه، وصرح الحافظ في "بلوغ المرام" بعد أن ذكر حديث البيهقي السابق أن المحفوظ ما عند مسلم من هذا الوجه بلفظ: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه. وأجاب القائلون أنهما يمسحان بماء الرأس بما سلف من إعلال هذا الحديث، قالوا: فيوقف على ما ثبت من مسحهما مع الرأس، كما في حديث ابن عباس والربيع وغيرهما. قال ابن القيم في الهدي: لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا، وإنما صح ذلك عن ابن عمر. انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" بعد ذكره خلاف أهل العلم في المسألة:
وعليه، فمسح الأذنين بماء جديد مستحب عند بعض أهل العلم، فمن فعله فقد خرج من خلافهم، ومن مسحهما بماء الرأس، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.